متى يتوقف الجلاد عن جلد الضحية موقع الهضاب بقلم الشيخ ماء العينين اكليب

في الأنظمة التربوية السليمة، يُنظر إلى المدرّس باعتباره حجر الأساس في أي إصلاح حقيقي. فهو الذي يحمل عبء بناء الإنسان، ويقف كل يوم أمام تلاميذ يحتاجون إلى المعرفة، الدعم، والقدوة. لكنّ الواقع الموريتاني اليوم يسجّل مفارقة جارحة: فبدل تحسين ظروف المدرّس، أصبح راتبه – وهو أصلاً من أضعف الرواتب في القطاع العام – ساحةً مفتوحة للقطع والاستنزاف.

قرضٌ “لا يُسمن ولا يُغني”… والمدرّس هو الضحية

أن يُقطع من راتب المدرّس مبلغ قد يصل إلى 20 ألف أوقية قديمة كل شهر مقابل قرض زهيد، هو في الحقيقة تحميله ما لا يطيق. والنتيجة واضحة:

آلاف المدرسين تُستنزف جيوبهم أصلًا،
مقابل آلية مالية لا يستفيد منها إلا عدد محدود – إن استفادوا أصلاً –،

في وقت لا تتحمل فيه الدولة أي كلفة أو تضحية، وكأن المدرّس هو الطرف الوحيد المستعد “للشقّ من جلده” لتحريك عجلة لا تخدمه.
مفارقة موجعة: المعلم يُقتطع من قوت يومه… بينما تُمنح الامتيازات بالملايين.

يتساءل المدرسون اليوم، وبحق:
كيف يمكن أن يُترك من يسهر في الفصول، ويكافح الأمراض، ويواجه 40 أو 50 تلميذًا يوميًا، بلا تقدير مالي، بينما تُمنح قطع الأراضي بمساحات ضخمة، ومكافآت بالملايين، لمجموعات محظوظة ذات نفوذ؟

هذه المفارقة ليست مجرد سوء تسيير، بل أصبحت تعبيرًا صارخًا عن اختلال العدالة داخل قطاع التربية.

المدرّس يعرف مهمته… لكن هل يعرف أصحاب القرار مهمتهم؟

المدرسون يدخلون أقسامهم كل صباح وهم يعرفون بالضبط ما يجب عليهم فعله:

تعليم،
تربية،
صناعة وعي،
واحتضان أطفال البلد.

لكن في المقابل، يعيش القطاع حالة من غياب الرؤية والارتباك الإداري، حيث تُتخذ قرارات مصيرية دون دراسة، وتُدار الموارد البشرية دون تقدير لجهود من “يحملون الميدان على أكتافهم”.

ورغم أننا لا نتهم شخصًا بعينه، فإن الانطباع العام لدى العاملين في القطاع هو أن التعيينات غالبًا ما تخضع للقرابة والنفوذ، فيما يشاهد المدرس – صاحب الجهد الحقيقي – راتبه لا يتجاوز ما يكفي بالكاد أسبوعًا من الشهر.

الإصلاح الحقيقي يبدأ من المدرّس
لا إصلاح تعليمي بلا احترام المدرّس.
ولا احترام بلا:

1. رفع الرواتب بشكل يناسب قيمة المهنة،
2. إلغاء أو إصلاح نظام القروض المرهق،
3. توزيع عادل للامتيازات بدل تركها حكراً على أصحاب النفوذ،
4. إرساء تسيير شفاف يضع المدرّس في قلب العملية التعليمية.

ما يحدث اليوم ليس خلافًا على قرض أو اقتطاع.
إنه صراع بين من يحمل المدرسة على كتفيه، ومن لا يدرك أن المدرسة تنهار حين ينهار المدرّس.
وإذا كانت الدولة تريد فعلاً إصلاح التعليم، فعليها أن تبدأ من نقطة واحدة واضحة:
إعادة الكرامة الاقتصادية والمهنية لمن يقف كل يوم أمام السبورة.

شاهد أيضاً

الدرك يحبط تهريب كميات من البلاستيك والأدوية بسيلبابي

  – أحبطت فرقتا سيليبابي وغابو التابعتان لكتيبة الدرك الوطني بولاية كيدي ماغه، عملية تهريب …