من منطلق الأمانة التاريخية، واستجابة للواجب الأخلاقي الذي يفرضه قول الحق، أتقدم بهذه الشهادة إقرارا بالفضل وتوثيقا لمرحلة مفصلية في مسيرتي، والتي كان لفضيلة الشيخ محمد ولد سيدي يحي الدور الأبرز في تشكيلها.
إن الحديث عن تبلور الوعي وتأسيس الهوية الإسلامية في وجدان جيلي من ساكنة المناطق النائية بانواكشوط آنذاك، لا يستقيم دون الإشارة إلى الأثر العميق الذي أحدثته الدروس والمحاضرات التي كان يقدمها شيخنا ولد سيدي يحي ؛ فلقد كانت مجالسه العلمية من خلال محاضراته الليلية بمثابة المنارة التي استقطبتنا، فحرصنا على حضور درسه الأسبوعي ليلة الأحد في مسجد “أبو بكر الصديق” حي 18، الذي يُعرف في الحي بمسجد السالك؛ لمن يعرف المنطقة جيدا، حيث نهلنا من علمه وتوجيهاته ؛ وهو ما صقل شخصياتنا ورسخ فينا المبادئ الإسلامية السمحة.
ومع تقدمي في مراحل التعليم الإعدادي والثانوي، تعمّق شغفي بمتابعة محاضراته، فكنت أتنقل بين المساجد ليلا، غير عابئ بالمشقة، لحضور مجالسه التي كانت تمتد أحيانا إلى ساعات متأخرة من الليل؛ – بدون أن نكون نمتلك سعر أجرة سيارة العودة – وكنا نعود في سيارة جارنا ” امعيتيك” ؛ وكل من كان يحضر دروس الشيخ ؛ يعرف قصة سيارة امعيتيك…. وكان الشيخ حفظه الله يحرص أيما حرص بعد نهاية المحاضرة ؛ على التأكيد على أصحاب السيارات بضرورة أن يقل كلا منهم ما أمكنه من الأشخاص في طريق عودته… فجزى الله خيرا كل أصحاب السيارات على ذاك المعروف
شهادة للتاريخ أدونها اليوم في ظل الهجمة المستغربة على شيخنا ولد سيدي يحي ؛ وهي أنني أدين بالفضل، بعد الله، للشيخ محمد ولد سيدي يحي في تشكيل وعيي وتوجيه بوصلتي؛ فقد كانت دروسه بمثابة حجر الزاوية في بناء صرحنا المعرفي، ولهذا، أتقدم إليه بخالص الشكر وعظيم الامتنان على ما بذله – ويبذله- من جهد في سبيل نشر العلم والهداية.
ورغم أن الشيخ قد لا يعرفني على المستوى الشخصي، شأني في ذلك شأن المئات ممن كانوا يرتادون مجالسه طلبا للعلم والاستزادة، إلا أن أثره فينا جميعا كان راسخا وعميقا.
وأسأل الله في هذا اليوم أن يجزي شيخنا الجليل محمد ولد سيدي يحي؛ خير الجزاء ؛ على دوره القيادي في إرساء حركة تنوير ديني أصيلة في صفوف الحراطين، كان لها الفضل في هداية الكثيرين.
المعلوم أوبك . أستاذ ونقيب / ومستشار ببلدية انواذيبو
أستاذ بجامعة انواذيبو
نواذيبو بتاريخ : 26ديسمبر 2025
الهضاب إنفو موقع إخباري مستقل