.
بينما كانت الأضواء تُرفع في ساحات مدن التراث، والطبول تُقرع احتفاءً بالماضي، كان الحاضر في مكان آخر ينهار بصمت.
في المستشفى العسكري، حيث يُفترض أن تكون الحياة أولوية لا تؤجَّل، كان الموت يتقدّم بخطى باردة نحو سرير مريض فاقد للوعي.
ليلة البارحة لم تكن عادية.
مريض (الاخ)يرقد بلا وعي، يتذبذب بين الحضور والغياب، و أهلُه(اي) يركضون بين الممرات بحثًا عن كلمة أمل، عن توقيع طبيب، عن دواء قد يُبقيه حيًا حتى الصباح.
لكن الرد كان صادمًا وبسيطًا حدّ القسوة:
“الأخصائي لن يأتي حتى يوم الاثنين.”
الاثنين؟
وكأن المرض يعرف أيام الأسبوع، وكأن فقدان الوعي يمكنه الانتظار، وكأن الألم يحمل تقويمًا إداريًا.
قيل لنا:
قوموا بالفحوصات.
ادفعوا الفاتورة.
انتظروا الأخصائي بعد غد.
هكذا تُدار الحياة في بعض مستشفياتنا:
الدفع أولًا، ثم الانتظار، ثم — إن حالفك الحظ — العلاج.
أي منطق هذا الذي يجعل المريض رهينة لغياب طبيب؟
وأي نظام صحي يقبل أن يُترك إنسان فاقد للوعي بلا تدخل مختص لأن اليوم هو عطلة أو لأن الطبيب “غير موجود”؟
المستشفى العسكري ليس مبنىً عادياً، إنه رمز.
رمز للدولة، للانضباط، للمسؤولية.
لكن ما رأيناه كان عكس ذلك تمامًا:
ارتباك، لامبالاة، وإحساس مخيف بأن حياة الإنسان ليست أولوية.
في الخارج، كانت الكاميرات توثّق الرقص والفرح.
وفي الداخل، كانت أسِرّة المستشفيات تشهد رقصًا آخر…
رقصًا صامتًا بين الحياة والموت.
لسنا ضد الفرح، ولا ضد الاحتفاء بالتراث.
لكن أي تراث هذا الذي نحتفل به بينما يُهان الحاضر؟
وأي وطن يُصفّق في الساحات بينما يختنق أبناؤه في الممرات؟
هذا ليس هجومًا على أطباء، فكثير منهم يعملون في ظروف قاسية.
بل هو صرخة في وجه الإهمال، في وجه إدارة تُؤجّل الإنسان، وتقدّم الورق عليه.
الصحة ليست ترفًا.
والوقت في غرف الطوارئ لا يُقاس بالساعات ولا بالأيام…
بل بالأنفاس.
وكل نفسٍ يضيع انتظارًا، هو إدانة صريحة لنظامٍ اختار الصمت بدل الإنقاذ.!!
الهضاب بقلم اليشيخ ماء العينين اكليب
الهضاب إنفو موقع إخباري مستقل