خبير قانوني: اتفاقية وتفاهمات موريتانيا والاتحاد الأوروبي “غير قانونية” وانتهاك للسيادة

وصف الخبير القانوني والمحامي محمد سيدي عبد الرحمن إبراهيم اتفاقية وتفاهمات موريتانيا والاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة بأنها “غير قانونية ولا تعد ملزمة للدولة الموريتانية”، وذلك نظرا لعدم عرضها على البرلمان، وغياب إمضاء رئيس الجمهورية.

 

وقال الخبير القانوني في مقال له تحت عنوان: “تفاهمات معاملة المهاجرين بين السلطات الموريتانية واتحاد الأوروبيين” إن موريتانيا وأسبانيا وقعا اتفاقا حول ملف الهجرة في مدريد بتاريخ 3 يوليو سنة 2003، تلتزم موريتانيا بمقتضاه باعتراض المهاجرين إلى أوروبا والتعامل معهم لقاء مساعدة فنية من أسبانيا.

 

وأكد ولد إبراهيم أنه على الرغم من عدم إجازة اتفاقية وتفاهمات معاملة المهاجرين بين موريتانيا وأوروبا فقد أنتجت أثرها في الواقع، حيث توجد في موريتانيا اليوم قوات أمن أجنبية يحمل أفرادها السلاح، مع أن في ذلك مساس بسيادة البلد.

 

كما أضاف أن هذه الاتفاقية والتفاهمات انعكست على الترسانة التشريعية الموريتانية بسن قوانين وطنية تنفيذا لها، واستلمت الدولة مقابلها منحا وتسهيلات مالية على شكل دعم أوروبي للتنمية من قبيل ما وعدت به رئيسة المفوضية الأوروبية خلال زيارتها لنواكشوط، يوم 8 فبراير 2024.

 

وعن الوجود العسكري الأوروبي في موريتانيا، أكد الخبير القانوني أنه يوجد في نواذيبو، بصورة دائمة، منذ سنة 2006، تشكيلان من الأمن الإسباني أحدهما من الحرس المدني GUARDIA CIVIL والثاني من الشرطة الوطنية الإسبانية، ويتوفران على وسائل لوجستية لمراقبة المنطقة البحرية الواقعة بين جزر الكناري والشواطئ الموريتانية من ضمنها طائرة مروحية وسفينتان بحريتان.

 

كما أكد الخبير القانوني تدخل الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والشواطئ FRONTEX بمساعدة القوة الإسبانية في المنطقة، ونفذت عملية (هيرا) HERA لوقف القوارب المنطلقة من غرب إفريقيا باتجاه جزر الكناري.

 

ولفت إلى أنه في ظل تناغم السلطتين التشريعية والقضائية مع السلطة التنفيذية في موريتانيا، وغياب الشفافية في ممارسات الإدارة الموريتانية، وضعف تأثير هيئات المجتمع المدني، لم تجد السلطات الموريتانية صعوبات كبيرة في تشريع معاملتها القاسية للمهاجرين، حيث سنت القانون رقم: 2010 – 021 الصادر بتاريخ: 15 فبراير 2010 المتعلق بمكافحة تهريب المهاجرين غير الشرعيين الذي نشر في عـــدد الجريدة الرسمية رقم: 1214 الصادر بتاريخ: 30 إبريل 2010.

 

ووصف ولد إبراهيم هذا القانون بأنه “قانون استثنائي يستند على خلفية سياسية تنبني على رابطة الجنسية بعكس نصوص التجريم ذات الجذور الأخلاقية في الغالب، إذ تضمن عقوبات قاسية، وقرر استثناءات غير مقبولة على قانون الإجراءات الجنائي الوطني”.

 

ورأى الخبير القانوني أنه من المشروع الشك فيما إذا كان البرلمانيون ناقشوا فحوى هذا القانون، واستعرضوا عقوباته التي تصل إلى عشر سنوات سجنا وغراماته التي تبلغ عشرة ملايين أوقية، وتسلط غالبا على الفقراء (المادة: 4)، وتقييده لقانون الإجراءات الجنائية الوطني بمنع وقف تنفيذ العقوبات الذي تخوله الإجراءات للقضاة في حال توفر ظروف معينة (المادة: 33)، مشيرا إلى أنه “من المريب أن عقوباته تتجاوز الحدود المقررة لاستخدام السلاح ضد القوة العمومية في موريتانيا”.

 

وشدد الخبير القانوني والمحامي على أنه حتى تاريخ كتابة هذا المقال “ما تزال فرقة الحرس المدني الإسباني وأفراد من الشرطة الإسبانية عاملين في نواذيبو بعد أن حول بعض الأفراد إلى نواكشوط لمراقبة الشاطئ الواقع في رحاب مينائي الصداقة وتانيت”.

 

وأكد ولد إبراهيم أن السلطات الموريتانية لم تعرض اتفاقيتها ولا تفاهماتها اللاحقة مع الاتحاد الأوروبي حول معاملة المهاجرين على الهيئة التشريعية التي خولها الدستور التصديق على المعاهدات وتحديد الجرائم والعقوبات وشروط إقامة الأشخاص ووضعية الأجانب، كما لم يمضها رئيس الجمهورية وإنما وقعها بعض الوزراء.

 

ولفت إلى أن اتفاقية 2003 مع إسبانيا، وقعها عن الجانب الموريتاني، وزير الشؤون الخارجية، ووقعت بعض التفاهمات اللاحقة من طرف وزير الداخلية، وفيما يتعلق بالتمويلات والمشاريع كثيرا ما وقع برامجها وزير الاقتصاد الموريتاني مع مندوب الاتحاد الأوروبي في موريتانيا، بل إن بعض تفاهمات محاربة الهجرة السرية وقع من طرف قائد أركان الدرك الموريتاني (أوردت الوكالة الموريتانية للأنباء بأن قائد الدرك الوطني ومدير الحرس الوطني الإسباني وقعا في نواكشوط، بتاريخ: 7 مارس 2019، اتفاق تجديد التعاون).

 

وذكر الخبير القانون بأن المادة: 78 من الدستور نصت على أن “معاهدات السلم والاتحاد ومعاهدات التجارة والمعاهدات والاتفاقيات المتعلقة بالتنظيم الدولي، وتلك التي تلزم مالية الدولة والمعاهدات الناسخة أحكاما ذات طابع تشريعي وتلك المتعلقة بحدود الدولة كلها لا يمكن التصديق عليها إلا بموجب قانون” كما تنص المادة: 36 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية على ما يلي: “يمضي رئيس الجمهورية المعاهدات ويصدقها”.

 

وشدد الوزير على أن توقيعات الوزراء، بمن فيهم الوزير الأول، للمعاهدات، قبل مصادقة البرلمان عليها، توقيعات تمهيدية غير ملزمة للدولة ما لم تكتمل مسطرة التصديق بتصويت البرلمان بالسماح بالتوقيع، ووقوع الإمضاء المادي من رئيس الجمهورية الذي يجسد الدولة، ونشر المعاهدة في الجريدة الرسمية، كي لا يعذر المواطنون بجهل الاتفاقيات التي خولها الدستور سلطة فوق سلطة القانون، بنص المادة: 80 من الدستور.

 

ورأى الخبير القانون أن المسطرة القانونية لإجازة الاتفاقيات تمر بأربع مراحل أولها توقيع تمهيدي لمشروعها من طرف أحد أعضاء السلطة التنفيذية (يعتبر في حكم الوعد)، وثانيها التصويت البرلماني على قانون يقضي بالسماح لرئيس الجمهورية بإمضائها، وثالثها الإمضاء المادي لرئيس الجمهورية (الذي يفترض أن يلتزم بالنص الذي أجازه البرلمان دون زيادة أو نقصان)، ورابعها النشر الذي تصبح الاتفاقية بموجبه نافذة. وقد ظلت هذه المسطرة محترمة في موريتانيا منذ استقلالها حتى بداية الحكم العسكري للبلاد بانقلاب 10 يوليو 1978.

 

واعتبر الخبير القانوني أن تفاني السلطات الموريتانية في التصدي للمهاجرين إلى أوروبا وما تخلل تدخلها، خلال سنة 2006 وما بعدها، من اعتقال عابري السبيل الأفارقة وإبعادهم دون أن يتمكنوا من تقديم طلبات لجوء ودون أن تبلغ لهم قرارات إبعاد يتاح الطعن فيها، بالإضافة إلى عدم وجود رقابة إدارية أو قضائية تضع حدا للتعسف، هذه المآخذ أدت إلى إحراج الشريك الأوروبي الذي لاحظ بالإضافة لتلك النواقص تعاطي الرشوة بين وكلاء “فرونتكس” وسلطات الأمن الموريتانية.

 

وأضاف أن هذا الإحراج انعكس في نص التوصية رقـم : A9 – 0358 – 2023 الصادرة عن البرلمان الأوروبي بتاريخ: 26 أكتوبر 2023 المتعلقة بمفاوضات الاتحاد الأوروبي مع موريتانيا حول عمل “افرونتكس” في أراضيها، وهي التوصية التي كلف المشرعون الأوروبيون رئيسة المفوضية الأوروبية بإبلاغها للحكومة الموريتانية.

 

وأردف أن هذه التوصية تعكس الاستياء الأوروبي من عدم احترام الحقوق الأساسية في موريتانيا، والانعكاس السلبي لغياب نظام قانوني موريتاني يتيح دراسة طلبات اللجوء التي يمكن أن يتقدم بها المهاجرون، وعدم حصولهم على مساعدة قانونية قبل إبعادهم بالقوة دون إجراءات.

 

وأكد الخبير القانون أنه على الرغم من كون الأوروبيين فاتحوا شريكهم الموريتاني بالنواقص وطلبوا منه السعي للتغلب عليها ودفعوا له تمويلات لغرض العمل في سبيل إقامة دولة قانون، إلا أن الإصلاح ما يزال عصيا بسبب حرص السلطة التنفيذية على التحكم وتبعية السلطتين التشريعية والقضائية لها.

 

وتحدث الخبير القانوني في مقاله المطول عن “تسارع اللقاءات الأوروبية الموريتانية من أجل إبرام اتفاق حول معاملة المهاجرين، وفي هذا السبيل أعربت مندوبية الاتحاد الأوروبي في موريتانيا عن رغبة مفوضة الشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي في القيام بزيارة رسمية لموريتانيا يوم 7 مارس 2024 مصحوبة بوزير الداخلية الإسباني، وسكرتير الدولة البلجيكي المكلف باللجوء والهجرة”.

 

ورأى أنه تقديره الشخصي أن “توقيع موريتانيا لاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي حول معاملة المهاجرين تتعارض مع الاتفاق الموقع مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا الذي يسمع بتنقل الأشخاص، وأن المصلحة العليا تتطلب الاختيار بين ما يعرضه علينا الاتحاد الأوروبي وما يحققه الاتفاق مع مجموعة الجيران.. الجواب من اختصاص الاقتصاديين”.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

– لقراءة نص المقال، اضغطوا هنا، أو زوروا ركن آراء

شاهد أيضاً

مالي: تعيين وزير الداخلية السابق رئيسا للوزراء

عين رئيس السلطة الانتقالية بمالي، اليوم، وزير الداخلية السابق اللواء عبد الله مايغا رئيسا للوزراء …