أدركتني العشاء الآخرة أمس الأول وأنا بالمقر المركزي لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل )بدا المقر كما لوكان خلية نحل بشرية صامتة تنسق الأدوار وترتب الأمور … كان السياسي الخمسيني الذي اشتعل رأسه شيبا العمدة والرئيس الحسن ول محمد رئيس اللجنة التحضيرية للمهرجان يقطع المسافة بين مكتب الرئيس وقاعة الاجتماعات ذهابا وإيابا يضع اللمسات الأخيرة على التحضيرات النهائية للمهرجان …بدا أن شأن المهرجان لم يحزبه فقد الف أمر المهرجانات مذ كان فتى يافعا يغدو للجامعة ويروح لنادي مصعبٍ وأترابه ،لكن رئيس الحزب وهو عضو في لجنة التحضير بدا صامتا واجما يتخلل لحيته بيسراه ويجيل النظر بعيدا … قلت في نفسي لعله قلق إن كان الوقت الذي اختير للمهرجان وقتا غير مناسب خصوصا وأنه يتزامن في ذات الزمان والمكان مع مهرجان آخر لشباب الحزب الحاكم ، ثم إن الناس بشكل عام هجرت الشأن السياسي بعد أن شغلتها هموم لقمة العيش وأجهزت وسائل التواصل الاجتماعي على ما بقي لها من وقت وتفكير ، أم لعله يقول لمَ أخترنا هذ المكان المفتوح الفسيح الكبير ، ألم يك يسعنا ما وسع الإنصاف من قصر المؤتمرات أو يسعنا مقر الحزب أو مكانا يشابهه ، ولربما فكر في أمر التدبير المالي للمهرجان خصوصا وقد عملت الأنظمة المتعاقبة على البلد على الضغط على كل رجل أعمال أو مال بتواصل وأجبرته غير مخير على ترك الحزب وتبديل عتبة بابه السياسية… صحيح أنه قد مر عام كامل مذ تسلم قمرة قيادة الحزب لكنه حديث عهد بمثل هذه المهرجانات التي طال عهد الحزب بها أم تراه يفكر في أمر آخر … !
لست أدري ولكني أتفهم أن الرجل الذي ملأ جرابه فقها وطالع في الإحياء عن آفات اللسان وتغليب الصمت على الكلام وتربى في سفح علب بومريگ بين جبلي القرد وانتاكات الغامضة العصية على الفهم غموض الشموخ والتأبي ليس من السهل إخراجه عن صمته أو معرفة فيما يفكر وماذا يريد أن يقول …
لاحقا وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة تبدلت الأمور … لقد نظر الرجل تلقاء وجهه فلم يجد سوى جموع تواصل تسد الأفق (فتبارك الله أحسن الخالقين) ثم نظر عن يمينه وعن شماله فلم يرى سوى مناضل تزمل برداء الحزب أو مناضلة تدثرت بعلم البلاد رافعة شعارات النخلة الباسقة ذات الطلع النضيد … لقد أذّنَ تواصل في الناس بالمهرجان فجاؤوا رجالا وعلى كل ضامر يأتون من كل فج عميق … لقد كانت رسائل مهرجان تواصل بالأمس بالغة صادقة صادمة صارخة شاملة منضبطة واضحة لا لبس فيها ولا امتراء ……
– بالغة في دلالتها خصوصا وقد سرت أحاديث المرجفين أن تواصل أصبح خارج اللعبة وفقد التأثير ونسي لغة المعارضة …
– صادقة في تلك الجماهير التي لم يتعهدها جنرال ولا وزير ولا مدير شركة بل جاءت صادقة تلبي النداء وتقول ملأ فيها لبيك يا تواصل لبيك …
– صادمة لكل شامت أو متربص أو حانق أو منافس راهن على أن تواصل حزب أفراد أو جهات أو قبايل فكان الرد الهادر لجماهير السبت حجرا في أفواه أولئك …
– صارخة مدوية أن تواصل كان وما يزال الحزب الوحيد القادر على تحريك الشارع وحشد الجماهير متى ماشاء وبأن الجماهير التي كانت وفية له لا تزال ما بدلت ولا حرفت ولا نقضت ولا قالت ولا استقالت …
– منضبطة متعلقة بتعاليم الحزب ورسائله لقد صُد الناس عن المهرجان وأوقفت سياراتهم على بعد أزيد من ثلاثة أميال فساروا على الأقدام حتى ساحة المهرجان ولم يك ثمة عسكري ولا شرطي ينظم الناس أو يقيم صفوفها ومع ذلك فلم يلغ أحد أو يرفث أو يرفع صوتا ولم يبلغ عن حادثة نشل أو سرقة أو خصام أو عراك .
– شاملة إذ لم يبق صوت وطني إلا وأُسمع فتحدث الناس بكل لغات ولهجات وألوان الوطن … لا إقصاء ولا تمييز ولا تضييق …
– واضحة وضوح خطاب رئيس الحزب ومعاونيه بالأمس حين أطلقوها مدوية : الشعب يعاني فكفى فسادا وكفى غبنا وكفى ظلما وكفى إقصاء وكفى إهمالا للمواطن البسيط وكفى ارتفاعاً للأسعار وكفى تضييقا للحريات …نحن نحن كما كنا ما بدلنا ولا غيرنا أوفياء لهذ الوطن ولهذه الجماهير التي تبادلنا وفاء بوفاء واهتماما بحضور وقيادة بطاعة واستعداد ….. أولئك مناضلونا فجئنا بمثلهم إذا جمعتنا يا سياسي المجاميع .
Facebook Twitter Google+