من الأحسن — بل من الحكمة الوطنية — أن تصمت وزيرة التربية قليلًا. فكل تصريح جديد لها كمن يُسكب الزيت على نارٍ اشتعلت أصلًا من لهيب قراراتها المرتجلة.
لكن يبدو أن الصمت عندها تهمة، والكلام واجب مقدّس، حتى لو كان الكلام زينةً بلا مضمون، ومساحيقَ تجميل لوجهٍ بيروقراطيٍ متعبٍ من كثرة الوعود.
خذوا مثلًا حالة الأستاذ أحمد مسكة من أمزماز.
هذا الرجل الذي لم يطلب سوى حقه في أن يكون معلمًا لا ضحية.
بينما الوزارة تحمي “أصحاب النفوذ”، وتتخذ من التعسف هوايةً يومية ضد المستضعفين، بقي أحمد مسكة صامدًا، يدرّس فصلين في قسم واحد، وسبورتين في اتجاهين مختلفين.
إنه مشهد رمزي بامتياز: معلم واحد في مواجهة انفصامٍ تربويٍّ شامل، حيث يدرّس العلوم والعربية في الوقت ذاته، ويتحدث عن المستقبل بعينٍ على السقف المتصدع للحاضر.
وإذا كانت الوزيرة تتحدث عن “تطوير التعليم” و”تأهيل المعلمين”، فإن الواقع يصرخ في وجهها بلغة لا تخطئها العين: مدارس منسية، أقسام مزدوجة، ووجوه شاحبة لمن لا يرى فى الأفق الا السراب.
لكن الوزيرة، بدل أن تواجه الواقع، تفقدت مدرسة نموذجية حديثة — بأوامر من الرئيس — لتثبت مرة أخرى أن التجميل أهم من الإصلاح، وأن الصورة على شاشة التلفاز أكثر قيمة من المعلم الذي يذوب في صمت الداخل.
هي لا تزور المدرسة، بل تزور العدسة، ولا تخاطب المعلمين، بل تخاطب المشاهدين.
لقد سقط القناع.
ولعل هذه من إيجابيات التكنولوجيا فعلًا، إذ لم يعد بالإمكان التستر وراء البلاغات الرسمية. فالمعلم الذي يصور قسمه المزدوج صار أكثر صدقًا من بيانات الوزارة التي تتحدث عن “المدرسة الجمهورية” و”العدالة التربوية”.
إن أحمد مسكة ليس حالة فردية، بل عنوان مرحلة.
مرحلة تتفنن فيها الوزارة في نحت أعذارٍ جديدة، وصياغة خطاباتٍ عن “التحديات”، بينما الحقيقة أن أكبر تحدٍ هو وجودها نفسها بهذه الصورة.
يا معالي الوزيرة،
اصمتي قليلًا، فالصمت أحيانًا هو أصدق أشكال البلاغة.
الهضاب إنفو موقع إخباري مستقل