كل ما نفكر فيه في هذه الحياة — مجد، سلطة، هوية، لون، أصل، حدود — ما هو إلا وهمٌ كبير نحتمي به من الحقيقة الوحيدة التي لا تتغير: الفناء.
نحن جميعًا، عربًا كنا أو زنوجًا، بيظانًا أو حراطين، نتجه نحو النهاية ذاتها، نُدفن في الأرض ذاتها، ولا يفرّق الموت بيننا كما لم يفرّق الخالق في الخلق.
لكننا، للأسف، نكذب على أنفسنا كي لا نرى قسوة هذه الحقيقة، فنخلق أوهامًا جديدة نعيش بها ونقاتل لأجلها.
اليوم، يخرج من بيننا من يدّعي أن الحل هو الانفصال عن الوطن، وأن الخلاص في التمايز العرقي أو اللغوي أو اللوني.
وهذا ليس فكرًا جديدًا، بل لعبة قديمة تُدار من الخارج وتُغذّى من الداخل، تستهدف تفكيك ما بقي من كرامتنا المشتركة.
لقد تابعت حروبًا كثيرة، من إفريقيا إلى الشرق الأوسط، ورأيت كيف تبدأ النار من كلمة “نحن” و”هم”.
رأيت شعوبًا كانت تعيش بسلام تحوّلت إلى رماد، فقط لأنّ أحدهم أقنعها أن الدم أغلى من الوطن، وأنّ المختلف عدوّ.
لكن حين ينهار السقف، يسقط على الجميع — الأبيض والأسود، الغني والفقير، الظالم والمظلوم.
أما الغرب الذي يحرّض ويُنظّر ويُقدّم تقارير “حقوقية”، فلا يتحرك إلا حين تشتعل النار فعلاً، لأن الفتنة عنده سوق، والمأساة عنده تجارة.
لن يفهموا ما يقوله الإفريقي أو العربي أو الموريتاني إلا حين يرى الرجل الأبيض في شاشته صور القتلى، عندها فقط يبدأ “قلقه” و”بياناته”.
إن من يزرع العنصرية بيننا لا يفعل ذلك بدافع النقاء أو المبدأ، بل لأنه يعرف أن الكراهية أسهل طريقة لحكمنا.
كلما فشل النظام، كلما لجأ إلى تحريك أوراق الحقد ليصرف الناس عن فشله، فيخلق لك “عدوًّا داخليًا” لتقاتله بدل أن تسأله عن لقمة العيش.
يا من تدعون إلى الانفصال…
قبل أن ترفعوا شعارًا أو علمًا جديدًا، اسألوا أنفسكم:
هل نتحرر من الظلم بالهروب من بعضنا أم بمواجهته معًا؟
هل نُصلح الأرض بتقطيعها أم بتضميد جراحها؟
إن العدالة لا تُبنى على لون، بل على ضمير، والوطن لا يقوم على الانقسام، بل على الاعتراف المتبادل والاحترام.
موريتانيا ليست ملكًا لأحد، بل هي أمانة في عنق الجميع.
فلتكن معركتنا ضد الجهل والفساد، لا ضدّ بعضنا البعض.
لأنّ من يربح الحرب الأهلية لا يربح وطنًا، بل مقبرة أكبر.
الهضاب إنفو موقع إخباري مستقل