الإدارة الموريتانية بين التناحر والولاء… حين يغيب المسار ويُكرَّم التصفيق بقلم الشيخ ماء العينين ولد اكليب 

في الوقت الذي تُعد فيه الإدارة العمود الفقري لأي دولة، تعيش الإدارة الموريتانية اليوم واحدة من أسوأ مراحلها من حيث الأداء والانضباط والروح المؤسسية. فبدل أن تكون فضاءً للعطاء الوطني وخدمة المواطن، تحولت إلى ساحة صراع خفي بين اللوبيات والمصالح، تغيب فيها الكفاءة ويُكرَّم الولاء، ويُقصى فيها المخلص لصالح من يجيد التصفيق و”التحليح”.

إدارة بلا روح مؤسسية

تعاني الإدارة الموريتانية من تآكل في القيم المهنية وانهيار في منظومة التدرج الوظيفي الطبيعي. فالمناصب لم تعد تُمنح وفق المسار الإداري ولا وفق معايير الكفاءة أو الخبرة، بل تُوزّع بمنطق الولاء الشخصي والانتماء القبلي أو السياسي.
إنها إدارة فقدت بوصلتها؛ لا تكافئ من يخدم، بل من يُصفّق. وهذا ما جعل الكفاءات تنكفئ في صمت، والإبداع يُجهض في المهد.

لوبيات تتناحر بدل أن تتكامل

بدل أن تعمل الإدارات كجسد واحد، أصبحت كجزر متناحرة، لكل منها لوبي صغير يحاول السيطرة على القرار أو الاستحواذ على الموارد. فالمدير يخشى مرؤوسه، والموظف يترقب سقوط رئيسه، والكل يتربص بالآخر في مشهد تُدار فيه الدولة بعقلية “المؤامرة الصغيرة” لا بعقلية البناء الوطني.
لقد أصبحت الوظيفة العمومية في نظر الكثيرين وسيلة نفوذ لا خدمة، وسلّم ترقٍ شخصي لا مسؤولية عامة.

انعدام العدالة في الترقية

الترقية في الأصل وسيلة تحفيز، لكن في الواقع الإداري الموريتاني تحولت إلى أداة إقصاء وإذلال.
فلو أن الترقيات جرت وفق الدفعات والمسارات المهنية الطبيعية — بحيث تتقدم كل دفعة تدريجياً وتحل محل سابقتها — لكان هناك احترام للنظام، وانتماء للمؤسسة، وثقة في المستقبل.
لكن حين تُمنح الفرص لمن يتسلق على “جثث زملائه”، وتُغلق أمام أصحاب الجدارة، فلا عجب أن تتحول الإدارة إلى مستنقع مليء بالإحباط واللامبالاة.

روح المكيدة بدل روح الفريق

تسود في كثير من المؤسسات روح المكيدة بدل روح الفريق.
فكل موظف يعيش في جو من الشك والخوف، ويحسب كل نجاحٍ شخصي تهديداً لآخر. هذا المناخ السام يجعل من المستحيل تحقيق أي إصلاح إداري حقيقي، لأن الإصلاح يحتاج إلى الثقة والشفافية والمهنية، لا إلى الحسد والتربص.

إصلاح يبدأ من رأس الهرم

لا يمكن للإدارة أن تنهض في ظل هذا الواقع المريض ما لم يُعاد الاعتبار لمبدأ الكفاءة والمسار المهني.
يجب أن تُبنى التعيينات والترقيات على معايير واضحة وشفافة، وأن يُستبعد من مواقع القرار كل من صعد بالولاء أو بالدهاء لا بالعمل.
فالإدارة ليست غنيمة سياسية، بل هي شريان الوطن، وإذا فسد الدم في الشريان مات الجسد كله.

شاهد أيضاً

الشركة الموريتانية لتوزيع الزيوت (SMDL) تدشن مقرها الجديد في نواكشوط

أعلنت الشركة الموريتانية لتوزيع الزيوت (SMDL)، الموزّع الحصري لزيوت ELF وWOLVER وTEXACO وفلاتر PURFLUX في …