تعليق على تدوينة المستشار الاستاذ مصطفى ول اكليب بقلم الأستاذ الشيخ ماء العينين ولد اكليب من موقع الهضاب

 

مع تقديرنا لرأي الأستاذ الفيلسوف مصطفى ولد اكليب الداعي إلى تدريس المواد باللغة التي تُدرَّس بها، فإنّ النقاش لا يمكن اختزاله في الجانب اللغوي وحده، لأن جوهر الأزمة أعمق من اللغة، وأقرب إلى البيئة التربوية والظروف المادية والمعنوية للأستاذ التي تُشكّل القاعدة الحقيقية لأي إصلاح تعليمي.

فالحديث عن لغة التدريس دون الحديث عن المكان الذي يُدرّس فيه المعلّم، والوضع الذي يعيش فيه، يشبه بناء منزل على رمال متحركة.
كيف يمكن لمعلّم يعيش ضغوطًا يومية، بلا تكوين مستمر، وبلا تقدير وظيفي، وبأجر لا يضمن له الحد الأدنى من الكرامة، أن يُبدع أو يُقنع بلغة محدد بل يكفيه شرفا انه مازال يخرج من يتفوقون في المسابقات ؟
إنّ من يُطلَب منه أن ينهض بجيلٍ كامل، يعيش هو ذاته حالة إعدامٍ صامت داخل القسم: يُطالب بالعطاء في ظروف تستنزفه، ويُحاسَب على نتائج لا يملك أدوات تحقيقها.

ثم إنّ التعليم ليس مجرد تمرير معارف، بل فنّ التحضير، وإدارة الموقف التربوي.
والمعلّم الذي يُمنح الوقت والمكان والمحفّزات الكافية للتحضير، يستطيع أن يقدّم مادته بأي لغة كانت، لأن جوهر العملية ليس في اللسان بل في الاستعداد النفسي والفكري.
اللغة تصبح حينها وسيلة للتوصيل لا غاية بحدّ ذاتها.

أما ما يخص تراجع مستوى التلاميذ، فالحقيقة أن الأسباب متشابكة:

أولها سياسات تربوية مرتبكة جعلت النجاح شكليًا، خوفًا من ظواهر اجتماعية أو أمنية محتملة، ففقد التعليم معناه كمصفاة للجدارة والكفاءة.

ثانيها ضعف المعيشية للاسرة نتيجة الفساد وتدهور الرواتب، مما أفقد التلميذ البيئة المنزلية الداعمة.

وثالثها انكسار المعلم نفسيًا حين وجد نفسه محاصرًا بلا ترقية ولا تقدير، حتى فقد الحافز الداخلي والشغف بالمهنة.

إنّ لغة التدريس قد تكون مهمة، ولكنّ لغة الاحترام للمعلّم هي الأهم.
فحين يُعاد الاعتبار للمعلم ماديًا ومعنويًا، ويُمنح فضاءً يحترم إنسانيته وعلمه، حينها فقط يمكن مناقشة أي إصلاح لغوي أو منهجي بموضوعية وهدوء.

التعليم لا يُصلحه النقاش حول الأداة، بل إصلاح الإنسان الذي يستخدم الأداة.
وحين يعود المعلّم إلى مكانته الطبيعية كركيزة للتنمية، سيجد الوطن لغته الحقيقية — لغة النهوض.

شاهد أيضاً

إحالة وردة سلمان إلى قطب مكافحة الإرهاب

  أحالت النيابة العامة بولاية نواكشوط الغربية الناشطة في حركة «إيرا»، وردة أحمد سليمان، إلى …