معلوم بالضرورة أن أي أمة يراد لها البقاء تحتاج دوما إلى رجالات الدولة الذين ينقسمون إلى ثلاثة أصناف: رجالات ينظرون، ورجالات يخططون، ورجالات ينفذون. ومع أنها صفات قلَّما تجتمع في شخص واحد، إلا أن من المستحسن أن نرى في مجتمعنا من يجمعها الثلاثة. فذلك أقرب إلى تحقيق الهدف المطلوب وهو الحصول على تسيير أفضل للشأن العام. إنها قاعدة مسلمة لا شية فيها.
غير أن دور كل صنف من هذه الأصناف الثلاثة يبقى مربوطا بحسن الاختيار وكفاءة الشخص المكلف به وقدرته على الإقناع والتأثير. ولا شك أن دور المنظر يشكل العمود الفقري لتسيير الشأن العام.
ثم إنه لا يخفى على أحد أن المحيط الإقليمي الذي ننتمي إليه جد مضطرب ومفتوح على كل الاحتمالات، ولذلك نكون في أمس الحاجة إلى مفكرين ومنظرين يستنطقون المستقبل ويتنبؤون بما هو قادم. ومن المعلوم في هذا الإطار أن المنون غيَّب مدرسة متكاملة كان المرحوم محمد يحظيه ول ابريد الليل رحمة الله على روحه يتزعمها. فمن يحمل المشعل من بعده؟
أدرك جيدا، وبدون تواضع أو نكران للذات، أنني آخر من يجب أن يتناول هذا الموضوع، ولكن غياب أهل الاختصاص يفتح المجال أمام القول:
إذا غاب ملّاح السفينة وارتمت / بها الريح يوما دبرتها الضفادع
لا أخفيكم سرا أنني تتبادر إلى ذهني قامات علمية كبيرة خبرتْ العمل السياسي والدبلوماسي المحترف عساها تصلح للمهمة، ما زلت أحتفظ بأسمائها مخافة التشويش على أفكاركم وأساليبكم في اختيار من ترونه مناسبا. ولنا عودة للموضوع بعد الاطلاع على آرائكم.