محمد الامين الفاضل:لا تنحرفوا بالنقاش إلى مواضيع اخرى!

1 ـ انتقاد النائب خالي جالو للنظام الحاكم في القناة السنغالية لم يكن من أقوى انتقاداته للنظام، بل إنه كان ينتقد النظام من داخل البرلمان الموريتاني بما هو أشد وأقسى، وكانت مداخلاته تبث عبر البرلمانية، وكان يُشاركها الكثير من المدونين الذين ينتقدوه الآن. المشكلة ليست في نقد النظام، والدليل على ذلك أن كثيرا ممن ينتقدون النائب خالي جالو حاليا هم من معارضي النظام، وكان بعضهم يُشارك من قبل مداخلات النائب التي تنتقد النظام من داخل البرلمان الموريتاني.
في هذه النقطة دعونا نتفق على الحقيقة التالية: المشكلة ليست في محتوى المداخلة، ولا في نقد النظام، بل المشكلة تكمن في شيء واحد وهو المنصة التي اختارها النائب خالي جالو لينتقد من خلالها النظام؛
2 ـ موريتانيا والسنغال دولتان شقيقتان وجارتان، وتجمعهما الكثير من الروابط، لا خلاف على ذلك، ولكن ذلك لا يعني أن العلاقات بينهما لم تعرف في الماضي القريب أزمات كبيرة، ولا أحد نسي كيف كان يشوى الموريتانيون في الأفران في السنغال، ولا كيف كان يقتل السنغاليون هنا في موريتانيا، ولذا فمن الطبيعي جدا أن تنشأ حساسيات قوية بين البلدين بسبب تلك الأزمة لا أعادها الله.
فلو قَدِم اليوم نائب من البرلمان السنغالي إلى موريتانيا، واستضافته قناة صحراء 24 مثلا، وانتقد بلده من تلك القناة، وهذا لن يحدث أصلا لأنه لا يوجد نائب سنغالي سيقبل بذلك، ولا يوجد نائب سنغالي إلا ويعرف حساسية ذلك، حتى ولو كان من أشرس معارضي النظام الحاكم في السنغال، وهو إن فعل ذلك، فسيعتبره السنغاليون خائنا للسنغال، وحُقَّ لهم ذلك.
3 ـ دعونا نفترض الآتي، أن أذهب أنا مثلا إلى أوروبا، أو إلى إحدى الدول العربية، وألتقي هناك بنواب أو مسؤولين حكوميين، وأبدأ في انتقاد بلدي، والتهجم على إحدى مكوناته من المكونات التي لا أنتمي إليها…تصوروا ماذا كان سيحدث لو فعلتُ ذلك؟ وتصوروا ماذا كان سيقول عني أولئك الذين يدافعون اليوم عن خرجة النائب خالي في البرلمان الأوروبي؟
4 ـ من المغالطات القول بأن الإعلام الموريتاني مغلق أمام النائب خالي جالو، فالنائب يتحدث من داخل البرلمان كغيره من النواب، وتنقل مداخلاته من خلال قناة البرلمانية، ويحظى باستضافة القنوات والمنصات المستقلة. وحده الإعلام الرسمي الفاشل قد لا يستضيفه، وليس ذلك تمييزا خاصا به، وإنما يشمل الجميع.
دعونا هنا نتوقف عن ترداد كذبة كبيرة مفادها أن النائب خالي جالو لم يجد منابر إعلامية في بلده، ولذا فقد لجأ إلى منابر إعلامية خارجية.
5 ـ أعرف جيدا أن المشاركة في هذا النقاش تخدم النائب خالي جالو كثيرا، فنحن في هذه البلاد نعاني من خلل كبير، وصناعة القادة السياسيين عندنا تتم بالتصريحات المستفزة، وبردود الأفعال عليها، وبما تستجلب من نقاشات أغلبها يكون في العادة تافها، فمن ينتقد الآن النائب خالي جالو إنما يُشارك في تسويقه وفي تسويق الخطاب الشعبوي والشرائحي الذي يضر الوطن أكثر مما ينفعه.
نعم أنا أعرف ذلك، ولكن في النهاية لا يمكنني أن اسكت عن موضوع شغل المدونين، ولا أسكت عن نائب ينتقد بلدي من منبر في دولة لدينا معها حساسيات معروفة حتى وإن كانت دولة شقيقة وجارة.
في النهاية هناك أسئلة أتمنى أن أجد عليها جوابا شافيا. أذكر أن النائب خالي جالو في مداخلته له أمام الوزير الأول اتهم السلطة بالتمييز ضد اللغات الوطنية، وقد طالب النائب في مداخلته بترسيم اللغات الوطنية.
هذا النائب الذي اتهم السلطة بالتمييز ضد اللغات الوطنية، هو نفسه النائب الذي رفض بشكل قاطع وحاسم وفي أول إطلالة له من داخل البرلمان أن يتحدث بلغته الأم ( إحدى لغاتنا الوطنية)، مع العلم أن الجمعية الوطنية توفر الترجمة من وإلى كل اللغات الوطنية، ولا توفرها لمن تحدث باللغة الفرنسية، والتي اختار النائب أن يتحدث بها متاجهلا لغته الأم.
فكيف لنائب وطني يدافع عن وطنه في كل المنابر أن يرفض أن يتحدث بلغته الأم في برلمان بلده، ويفضل عنها لغة أجنبية؟
سؤال آخر: لماذا كلما ازداد الشباب الإفريقي في دول الجوار كمالي والسينغال وبوركينافوسو والنيجر تحررا من فرنسا، وزاد من إظهار حجم عدائه لهذه الدولة المستعمرة، حصل العكس عندنا، من خلال إظهار بعض شبابنا المزيد من الولاء والتقديس لفرنسا، واختيار الحديث بلغتها عن الحديث بإحدى لغاتنا الوطنية من داخل البرلمان، ليبقى بذلك برلماننا هو البرلمان الوحيد في العالم الذي يمكن لأي كان أن يتحدث فيه بلغة أجنبية، تتراجع مكانتها بشكل واضح ومتسارع في العالم وفي دول الجوار؟

شاهد أيضاً

القضاء الفرنسي يدين مارى لوبن بالسرقة

أصدرت محكمة الجنح في باريس، اليوم الاثنين، حكمًا بإدانة زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، مارين لوبان، …