في قلب وادٍ منعزل، حيث لا تصل الطرق المعبدة، كان “سيدي” يقف كل صباح أمام السبورة المهترلة، ينظر إلى تلاميذه بعيون مرهقة، لكنه يبتسم رغم كل شيء. كان قد قضى عشر سنوات هنا، بعيدًا عن المدينة، في مدرسة طينية بالكاد تحميهم من حرارة الشمس أو برد الشتاء.
لم يكن إحباطه بسبب الأطفال، بل بسبب التجاهل. راتبه بالكاد يكفي، والكتب نادرة، والمقاعد مكسورة. مرّ مفتش التعليم مرة واحدة فقط خلال ثلاث سنوات، واكتفى ببعض الملاحظات الجافة ثم رحل.
في إحدى الليالي، جلس “سيدي” يفكر في الاستقالة. لكن في الصباح، حينما رأى “مريم”، الطفلة التي كانت تكافح لتعلم القراءة، تهجئ أولى كلماتها بفرح، شعر بشيء ينبض في داخله. ربما لم يكن يستطيع تغيير النظام، لكنه كان قادرًا على تغيير حياة هؤلاء الأطفال.
قرر البقاء، ليس لأن الوظيفة كانت عادلة، بل لأن رسالته كانت أعظم من الإحباط.