منتصف الليل( محمد تقي الله الادهم)

منتصف الليل..
شاء الله أن أوَدَّع عاما وأعانق آخر على متن طائرة تركية أقلعت قبيل الغروب من نواكشوط في اتجاه أبوظبي (إمارات الخير) مرورا بداكار وإسطنبول ..
لدي فائض من الوقت للتأمل والتدبر والبوح، وربما يساعد أزيز المحركات ووقع الظلام الدامس ووحي الليل البهيم في طرق الأبواب الموصدة وقول المسكوت عنه ،والرد الطفولي البريئ على أسئلة الفضوليين .
لن أحدثكم عن ميلادي بتيرس زمور شتاء 1971 على مقربة من هضبة( لرويات)، فهذا حدث عابر لن يفيدكم ، ولايترتب على تدوينه شيئ يذكر..شأنه في ذلك شأن انشغالي منذ نعومة الأظافر بالتحصيل المعرفي الأهلي والنظامي وولوج باب العمل الإعلامي وأنا في الثامنة عشرة من عمري.
وليس من الوارد تضييع وقتكم بعرض تجربتي بخصوص إكمال مراحل تعليمي العالي بموازاة الالتزام الوظيفي، وإدارة البرامج والندوات وتغطية عشرات القمم والأحداث الكبرى، فهذا شأن شخصي لايستحق البسط والإشادة والتنويه .
أما وقد أضواني ليل أفول عام وميلاد آخر ،فسأبسط يد الخواطر وأُذَّل كبرياء الصمت الطويل :
أعترف بأن حب “مهنة المتاعب “تَمَلَّكني وأوصد في وجهي كل الأبواب..
حملته جرحا باسما لم أبحث له عن دواء ،وحزنا كبيرا سكنني وسكنته بصمت.
أَشْفَقَ عليَّ الأصدقاء ونفد صبر الأعداء .
لا عليكم ؛تفصلني عن التقاعد عشر سنوات -بل تزيد- سأقضيها – والأعمار بيد الله- وفيا لمجرى النهر ممسكا بيد “صاحبة الجلالة ” زاهدا فيما سيأتي ،ناسيا ماقد مضى -على حد تعبير جبران خليل جبران-
أعلم أن “لعنة”الإعلام الرسمي توزع بسخاء من قبل بعض من استمعوا للإذاعة أوجلسواأمام الشاشة الصغيرة أو انتقلوامن المعارضة إلى الموالاة أو من الموالاة إلى المعارضة ..
أتفهم وأستغرب في الآن ذاته ضجر بعض النخب السياسية من وفائي وأمثالي لخط التحرير في الإعلام العمومي منذ حكم الرئيس معاوية ولد الطايع إلى عهد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، لكني أرفض بحزم سعي آخرين إلى المزايدة واللعب القذر بهدف إحالتنا إلى الهامش والرقص على جثثنا ونحن أحياء نرزق !
صحيح أن الشموع تحترق لتضيئ للآخرين..لكن من حقها أن تتوقع عرفان وامتنان كل من يلعن الظلام . من حقها أن تتفرج على مشهد الخفافيش البائسة العاجزة عن حجب الضوء الجميل، وتواصل توزيع النور بسخاء إلى أن تركن لموتها الجميل .
حدثني أحد كبار المدونين – أو من يُدَوَّن بالنيابة عنهم- ،قال : أضعتَ وقتا طويلا في التحرير والتقديم والنقل الحي وإدارة الندوات وتلقين الأجيال أخلاقيات المهنة .
وأضاف: كان بمقدورك أن تخصص صفحتك على الفيس لشتم مسؤول ومدح آخر والتلويح بالمعارضةأحيانا.
قلت :هذا ينافي قناعتي وضعف في ملتي واعتقادي .
ابتسم ساخرا وقال بصوت خافت : وخيرت .. ثم مضى مسرعا دون وداع ،وبعينيه رسالة أسى واستغراب.
الواقع أن مشهد الإعلام البديل لدينا يحتاج بعض الوقت ليتجاوز المرحلة الصفراء ،ويلج مكرها باب الخضوع لسلطة القضاء بفضل التقدم المذهل للضوابط التقنية .وحينها فقط ، سيخرس
طنين ” الذباب الألكتروني”،لترتسم بوضوح ملامح وآليات مابات معروفا بإعلام المواطنة ،حيث لامكان للظواهر الصوتية وفرسان البث المباشر وتفاهات المؤثرين وباعة الوهم.
وبعد :
كأني بسائل :ماذا قصدت بالتحديد ؟
أقول دون تورية : وَاهـِمُُ من يظن أن بمقدوره الانفراد بالمشهد الإعلامي المحلي وانتقاء فاعليه ومؤثريه متبعا هواه ، ففخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مَرَّ ذات يوم بقاعات التحرير ، ويدرك أكثر من غيره خطورة تأثير الانتقائية الأيديولوجية على المهنة والمهنيين.
كان بودي أن أهمس في أذن ” الإنصاف”بشأن ضبط وكبح جماح “الأحلاف” ، لكني أبصرت عن بعد أضواء إسطنبول.
لدينا توقف قصير سيكون كافيا لتشرق شمس فاتح العام الجديد على أرض سطر التاريخ بفخر أنهافتحت ذراعيها لتعانق الفاتحين ،
أحسبه -بإذن الله- عام فتح وخير.
اللهم إنا نسألك خير هذا العام ،فتحه ونصره وبركته وهداه…
محمد تقي الله الأدهممنمن

شاهد أيضاً

تقارب اجنحة النظام يزعج معارضة الأمس من سياسيين وإعلاميين

أمس، اتصلت بالأمل قلت له: هل ممكن أن يخرج العطر من الفسيخ والبصل؟ قال: أجل. …