دفاع الدولة يطالب بالحكم بمصادرة جميع ممتلكات الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز (نص المرافعة)

بسم الله الرحمن الرحيم

هيئــــة دفــــاع الدولــــة الموريتانيـــــة ومنطقة انواذيب الحرة وشركتي اسنيم وصوملك

 

الأطراف المدنية في الملف رقم 01/2021

 

طلبات الطرف المدني المقدمة إلى المحكمة الجنائية الخاصة بجرائم الفساد

 

لصالـــــــح : الدولة الموريتانية ، منطقة انواذيبو الحرة ، وشركتي:سنيم و صوملك

 

ضد المتهم : محمد ولد عبد العزيز و آخرين

 

التقدير للمحكمة الموقرة

 

حيث تعهدت المحكمة بموجب أمر الإحالة رقم 76/2022 بتاريخ 1 يونيو 2022 الصادرعن فريق التحقيق الخاص بمكافحة الفساد ، وهو الأمر المؤكد من غرفة الاتهام بستئنافيةانواكشوطبموجب القرار رقم 862/2022 بتاريخ 13/09/2022 الذي تم تعديله جزئيا بموجب قرار المحكمة العليا رقم 628/2022 الصادر بتاريخ 13/12/2022

 

حيث أحال الأمر المذكور إلى محكمتكم ، بالتهم المبينة فيه ، كلا من:

 

محمد ولد عبد العزيز

يحيى ولد حدمين

محمد سالم ولد البشير

محمد عبد الله ولد أوداعه

الطالب عبدي فال

محمد سالم ولد إبراهيم فال

محمد ولد الداف

محمد ولد امصبوع

محمد الأمين ولد البوبات

محمد الأمين ولد آلوكاي

هيئة الرحمة

و يعقوب ولد العتيق،

وذلك طبقا للمواد : 6-10-13-14-16 – 17-18 من القانون رقم 014/2016 المتعلق بمكافحة الفساد ، والمواد : 53، 54، 164، 167، 169، من قانون العقوبات ، و المادة 688 ، الفقرتين 3 و 4 من مدونة التجارة ، والمواد 2 ، 36، 37 ، 38 ، من قانون غسل الأموال رقم 017/2019بتاريخ 20 فبراير 2019 و ذلك حسب الأفعال المنسوبة إلى كل متهم على حده .

 

حيث عرضت المحكمة الموقرة هذا الملف في دورتها الجنائية الحالية المنعقدة ابتداء من يوم 25 يناير 2023 .

 

حيث أثار دفاع المتهم محمد ولد عبد العزيز أمام محكمتكم الموقرة ما سماه دفعا بعدم الاختصاص معتمدا على استقراء خاص للمادة 93 من الدستور

 

حيث قررت المحكمة ضم هذا “الدفع العارض ” إلى الأصل للبت فيهما معا

 

حيث أن تقديم الأدلة وبحثها أمام المحكمة المنصوص عليه في المادة 293 وما بعدها من قانون الإجراءات الجنائية قد استكمل مما اقتضى من محكمتكم ، عملا بالمادة 317 من نفس القانون ، إلى أن تستمع لأقوال الطرف المدني من أجل تقديم طلباته ، وعليه فإننا ، تلخيصا ، لمرافعاتنا الشفهية نتقدم أمامكم بهذه المذكرة ، التي نجمل فيها طلباتنا المتعلقة بالضرر المادي والمعنوي الذي لحق موكلينا ، و ذلك حسب تفصيل منهجي يتناول في البداية ، الرد على ما سمي ، دفعا بعدم الاختصاص (أولا) ، وما زعم من انتفاء صفة الطرف المدني (ثانيا) ثم بسطا موجزا لأهم الوقائع (ثالثا) ، لنخلص بعد ذلك لطلبات موكلينا مبينين حجم الضرر المادي والمعنوي الذي لحق بهم و ما يقتضيه من تعويض (رابعا)

 

أولا- حـــــول ما سماه دفاع المتهم “دفعا بعدم الاختصاص ”

 

في محاولة للتملص من واقع عنيد، يتمترس دفاع المتهم محمد ولد عبد العزيز وراء زعمه بعدم اختصاص محكمتكم وذلك على أساس أن المتهم رئيس دولة سابق، يستفيد في نظره من الحصانة، أو على الأقل من امتياز قضائي مما يتعارض “مع تقديم المتهم أمام المحاكم القضائية” . ومن البديهي أن هذا الدفع لا يحظى بأدنى قدر من الجدية حتى يكون مسموعا وذلك لسببين اثنين على الأقل، فهو:

 

1 – قد أثير خارج الأجل القانوني المنصوص عليه في مرحلة إجرائية من سير الدعوى أصبح من المستحيل معها قانونا الطعن في اختصاص المحكمة، فقد نصت المادة 211 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: ” إذا أصدرت غرفة الاتهام قرارا بالإحالة على محكمة المخالفات أو الجنح أو المحكمة الجنائية وأكدت أمر الإحالة الصادر عن قاضي التحقيق فإنه لا تجوز نهائيا إثارة عدم صحة الإجراءات السابقة ولا التمسك بعدم اختصاص المحكمة المحال إليها”.

 

وتعزيزا لذلك تؤكد المادة 548 من نفس القانون على أنه: “يتحدد اختصاص المحكمة الجنائية نهائيا في المادة الجنائية، ولا تثارعيوب الإجراءات السابقة بعدما يصبح أمر الإحالة الصادر من قاضي التحقيق نهائيا أو عندما تقع الإحالة من غرفة الاتهام”.

 

ووفقا لمقتضيات هذين النصين لم يعد وجيها أن يطلب من محكمتكم التخلي عن القضية لعدم اختصاصها.

 

2- أما السبب الثاني فهو أن المادة 33 من القانون رقم 014 ـ 2016 التي نصت على أن “تنشأ في الدائرة الترابية لمجال اختصاص محكمة استئناف انواكشوط محكمة ابتدائية مختصة في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وتلك المرتبطة بها أو التي لا يمكن فصلها عنها ” ، وعملا بهذه المقتضيات صدر المرسوم رقم 019/2017 بتاريخ 17 فبراير 2017 الذي يحدد مقر محكمتكم .

 

حيث عرفت المادة الثانية من نفس القانون الموظف العمومي بأنه “كل شخص مدني أو عسكري يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا، سواء كان معينا أو منتخبا، دائما أو مؤقتا، مدفوع الأجر أو غير مدفوع الأجر، بصرف النظر عن رتبته أو أقدميته”، ولمَا ورد هذا النص بألفاظ العموم المطلق ، دون استثناء أو تقييد ، يكون قد شمل بالضرورة رئيس الدولة السابق ، ومما لا شك فيه أن من يطلق عليه ” الشخص الذي يشغل منصبا تنفيذيا منتخبا ” هو أولا في نظامنا الدستوري، رئيس الجمهورية قبل غيره ، وبالتالي تكون الأفعال المتهم بارتكابها محمد ولد عبد العزيز خاضعة لأحكام هذا القانون.

 

و إدراكا منه لهشاشة دفعه بعدم اختصاص المحكمة ، زعم دفاع المتهم محمد ولد عزيز، أن محكمتكم ملزمة بإعطاء مقتضيات المادة 93 من الدستور أولوية مطلقة على أي نص آخر في درجة أدنى منه في الهرم القانوني لسمو هذا النص على باقي النصوص القانونية، إلا أنه ، فضلا عن كون القانون رقم 014-2016 المتعلق بمكافحة الفساد لا يتعارض مع المادة 93 من الدستور التي تحصر حصانة رئيس الدولة في الأعمال التي يقوم بها أثناء ممارسته لصلاحياته المحددة في المادة 30 وما بعدها منه، لا فيما قام به مما هو ظاهر الخروج عن صلاحياته ومهامه الدستورية ، إذ لا تشمل الحصانة ما أقدم عليه المتهم من أفعال وتصرفات وممارسات منشورة اليوم أمام المحكمة ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال ، بحجة عدم مطابقة هذه الترتيبات للدستور ، أن تستبعد محمتكم ترتيبات القانون المنشئ لها والمحدد لمناط اختصاصها.

 

ومن المعلوم أن تقييم مدى مطابقة النص التشريعي للدستور يخضع حصرا ، بموجب المادة 86 من الدستور ، لاختصاص المجلس الدستوريباعتباره الهيئة الوحيدة المنشأة لهذا الغرض.

 

و كان متاحا لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية ولثلث النواب أن يطعنوا أمام المجلس الدستوري في القانون المذكور قبل إصداره ، كما يمكن ، بعد صدور القانون، أن يتعهد المجلس بمبادرة من أي متقاض رأى في هذا القانون تعديا على حقوقه وحرياته.

 

ولما ضرب المتهم محمد ولد عبد العزيز صفحا عن استخدام هذا الإجراءبالطعن في المادة الثانية من القانون 014/2016 ، لسبب هو أدرى به ، لم يعد بإمكانه البتة أن يطلب من محكمتكم أن تبت في هذه المسألة لخروجها المطلق من إيالتها . هذا وقد أجمع الفقه القانوني على” أن وجود رقابة دستورية مع إسناد الاختصاص فيها إلى قاض دستوري يعهد إليه بالنظر في مطابقة القانون للدستور، يقتضي حتما حجب هذا الاختصاص عن كافة الهيئات القضائية الأخرى ” ، واستنطاقا لنصوص تماثل حرفيا نصوصنا الدستورية،ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى أن ” المحاكم القضائية ليس لها أن ترفض تطبيق نص تشريعي على أساس عدم مطابقته للدستور ” (قرار الغرفة المدنية الأولى بمحكمة النقض الفرنسية رقم 576/10/08بتاريخ 20 مايو 2009 – مرفق 1)

 

ولما كان الأمر كذلك فإنهلا يتأتى عن إذ سماعالطلب الرامي إلى التصريح بعدم اختصاص محكمتكم على أساس ما ذهب إليه المتهم من استقراء خاطئ لأحكام المادة 93 و زعم تعارضها مع مقتضيات المادة الثانية من القانون رقم 2016-014.

 

ولن يفوت على محكمتكم وهي في صمت مداولاتها أن دفاع المتهم محمد ولد عبد العزيز طعن في المادتين 16 و 47 من قانون مكافحة الفساد وتجنب الطعن في المادة الثانية من نفس القانون معترفا بداهة بمطابقتها للدستور، ويكفى دليلا على ارتباك المتهم محمد ولد عبد العزيز وتهافته طعنه في مقتضيات أساسية من قانون مكافحة الفساد الذي طالما استأثر و تفاخر بسنه وجعل منه أحد أهم إنجازاته في مجال المحافظة على المال العام ومكافحة الفساد.

 

لهذه الأسباب يتضح أن الدفع بعدم اختصاص المحكمة الموقرة مجرد ،محاولة للتهرب من المساءلة ومناورة إجرائية أريد بها تطويل أمد المسطرة مما، يتعين معه تجاوز هذا” الدفع” والتصدي للأصل.

 

ومن الغريب كذلك أن يظل دفاع المتهم محمد ولد عبد العزيز متمسكا بعدم جواز محاكمته على ما ارتكبه من أفعال حتى ولو خرجت عن صلاحياته الدستورية ، إلا بتهمة الخيانة العظمى وأمام محكمة العدل السامية . ، وكأن هذا الدفاع لم يطلع على العقوبة التي تواجه مرتكب الخيانة العظمى ولم يدرك الطابع السياسيلتشكيلة هذه المحكمة ولم يع ما في الاتهام بالخيانة العظمى من نيل من الشرف والسمعة ، ولسان حال المتهم يقول “يهون كل ذلك في سبيل المحافظة على ما جمعناه من المال” !مما يتعين معه التذكير بموقف الشريعة الإسلامية الغراء من الغلول وذلك في النقطة الموالية .

 

ثانيا – حول الزعم بانتفاء صفة الطرف المدني عن العارضين

 

وحيث أنه أمام دحض كافة حجج دفاع المتهم الرامية إلى تخلي المحكمة عن الملف ، أثار دفاع المتهم الرئيسي كذلك مقولتين واهيتين:

 

– أولهما :أن الدولة لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية وهو وقول مستغرب ، واه لا يلوي القائل به علىشيئ، إذ نصت المادة 18 من قانون العقود والالتزامات على أن “الأشخاص الاعتبارية هي الدولة والبلدية والمؤسسات العمومية والخصوصية والشركات والجمعيات ، وكل مجموعة يمنحها القانون شخصية اعتبارية” .

 

– ثانيهما: أن الدولة لم تتضرر من هذه الأفعال حتى تكون طرفا مدنيا ، وهذا قول مردود كذلك لمخالفته للمقتضيات الواردة في المواد: 19 ، 20 ، 97، 98 ، 118 ، 119 ، 120 من قانون الالتزامات والعقود ، و المواد 2 ، 3 ، 316 والمواد 378 ، 381، 384 ، التي أحالت إليها من قانون الإجراءات الجنائية والمتعلقة بالقيام بالحق المدني وآثاره ، و لما في مزاعم المتهم من خروج على قواعد جبر الضرر المعروفة .

 

وحيث نصت المادة 2 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه “تقام الدعوى المدنية من أجل تعويض الأضرار الناتجة عن جناية أو جنحة أو مخالفة،وهي حق لكل شخص أصيب بضرر مباشر مترتب عن الجريمة”. “إن هذه الدعوى التي يمكن أن تقام في نفس الوقت مع الدعوى العمومية أمام نفس القضاء” وتقبل طبقا للمادة 3 من نفس القانون “بسبب كل الأضرار المادية أو البدنية أو الأدبية الناجمة عن الوقائع التي هي موضوع المتابعة الجزائية. كما يمكن أيضا قبولها من أجل كافة الأضرار المنسوبة إلى الشخص المتابع وتكون لها علاقة ارتباط بالوقائع موضوع المتابعة”.

 

ويرمي تقديم هذه الدعوى والطلبات المترتبة عليها إلى الحصول على تعويض كافة الأضرار التي لحقت بالضحية -الذين هم في هذا المقام الدولة الموريتانية وسلطة منطقة نواذيبو الحرة وشركتا اسنيموصوملك.

 

وحيث يقتضي جبر الضرر إعادة المتضررين إلى المركز القانوني والحالة التي كانوا عليها قبل ارتكاب الجرائم محل المتابعة، وعليه فالتعويض يشمل ، بالإضافة إلى الضرر الحاصل تعويض آثاره المستمرة إلى حين الحكم به .

 

وتتيح المادة 3 سالفة الذكر للطرف المدني الحق في التعويض عن جميع الأضرار اللاحقة به؛ وللقيام بذلك، يجب ويكفي إثبات علاقة سببية مباشرة بين الضرر المطالب بالتعويض عنه -سواء كانت الضحية شخصا طبيعيا أو اعتباريا- والفعل المجرم الذي اقترفه المتهم وهو في حالتنا هذه، محمد ولد عبد العزيز والمشمولون معه في الاتهام.

 

ومن المعلوم أن الدولة الموريتانية ومنطقة نواذيبو الحرة وشركتي اسنيموصوملك أعلنوا أمام السيد وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق وأمام محكمتكم الموقرة أنهم أطراف مدنية، وأنهم يطالبون بالتعويض لهم عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بهم.

 

وحيث كرس فقه القضاء الفرنسي في عدة قرارات مبدئية لمحكمة النقض هذا الحق، ففي قضايا الفساد، قررت المحكمة في قرارها الصادر بتاريخ 14 مايو 2007، أنه يجوز للبلدية أن تطلب تعويضا عن الضرر المعنوي الذي لحق بها من جريمة فساد عمدتها

 

كما قضت أيضا في حكم صادر بتاريخ 10 مارس 2004، في سياق المتابعات القضائية بتهمة المحسوبية واستغلال النفوذ من قبل بعض الموظفين، بأن “للدولة الحق في المطالبة بالتعويض عن الأضرار المعنوية التي لحقت بها، الناجمة عن جرائم استغلال النفوذ والمحسوبية” التي يرتكبها وكلاؤها، لأن هذه الأفعال المنفصلة عن الوظيفة التي ارتكبت خلالها، تشوه سمعة الوظيفة العامة برمتها، وتضعف سلطة الدولة في الرأي العام وتسبب لها ضررًا شخصيًا مباشرًا”.(القرارات القضائية مرفقة ).

 

ثالثا – حول الوقائع و أدلة الاتهام

 

أ- بالنسبة للإثراء غير المشروع :

 

حيث يتعين التذكير ابتداء بأن الوقائع محل الاتهام بالإثراء غير المشروع الموجه إلى المتهم الرئيسي محمد ولد عبد العزيز وغيره تحكمه مقتضيات المادة16 من قانون مكافحة الفساد التي تنص على أن الجريمة قائمة في حق كل موظف عمومي “لا يمكنه تقديم تبرير الزيادة التي طرأت في ذمته المالية مقارنة بمداخيله المشروعة” .

 

وحيث أقر المجلس الدستوري بموجب قراره رقم 007/2023 بتاريخ 06-03-2023،ردا على طعن كيدي تقدم به أمامه دفاع المتهم الرئيسي،أن المادة 16 من قانون مكافحة الفساد لاتخالفالدستور، وبالتالي يكون عبء الإثبات يقع على عاتق المتهم، وفي هذا الصدد يتعين التذكير بأن قانون مكافحة الفساد جاء تكريسا للقانون التوجيهي رقم 040/2015 المتضمن مكافحة الفساد، وقد نقل هذان القانونان النصان حرفيا مقتضيات اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة الفساد بتاريخ 31 أكتوبر 2003 والتي انضمت إليها بلادنا بتاريخ25اكتوبر 2006 ، وقد كرست هذه الاتفاقية مبدأ وأصلا راسخا في شريعتنا الغراء هو المبدأ المعروف ” من أين لك هذا “.

 

وحيث صرح المتهم الرئيسي بممتلكاته أمام لجنة الشفافية المالية بالمحكمة العليا في مناسبتين اثنتين، الأولى عند توليه السلطة 2009 ،والثانية عند مغادرته لها سنة 2019 طي الملف .

 

حيث يتضح بمقارنة بسيطة بين مضمون التصريحين أن ثروته تضاعفت بشكل مذهل، إذ أن المتهم أقر على وجه الخصوص أنه تلقى هبة قدرها ستة ملايين يورو من رئيس دولة أجنبية وأنه يقتني قيمة مليوني دولار أمريكي من الأزرار والأقلام والساعات الثمينة ، كما صرح في خرجات إعلامية عدة أن لديه ثروة طائلة ، ولما عجز عن تبيين المصدر المشروع لثرواته تحتمت مصادرة هذه الممتلكات .

 

حيث أن الثراء غير المشروع هو ما سماه الفقهاء الغلول الذي اعتبروه إحدى أكبر الكبائر وذلك عملا بقوله تعالى “: وما كان لنبي ان يغل ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.” صدق الله العظيم .وكما وضح الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه ما معناه يأتي الغال يوم القيامة حاملا ما غل به على ظهره ورقبته معذبا بحمله وثقله ومرعوبا بصوته .

 

و للغلول صور متعددة نذكر منها الهدايا التي تعطي للمسؤولين و الرؤساء وكافة الجهات الحكومية لا نهم خانوا في ولايتهم وامانتهم وعقوبته الأخروية محجوبة عن محكمتكم الموقرةأما عقوبته الدنيوية فهي مصادرة ممتلكاته التي حصل عليها بنفوذه .

 

حيث أنه ما كان للمتهم الرئيسي أن يثري ثراءا فاحشا بهذا الحجم لولا اقترافه لباقي الجرائم المنسوبة إليه هو والمشمولين معه.

 

ب- حـــــــــول بقيــــــــــة التهم:

 

حيث خلص البحث الابتدائي ومن بعده أعمال قطب التحقيق المجسدة في أمر الإحالة و ما حظي به هذا الأمر لاحقا من تأييد وتزكية من طرف غرفة الاتهام والمحكمة العليا ثم ما ظهر أثناء تقديم الأدلة وبحثها أمام محكمتكم ، أن الملف طافح بالأدلة الدامغة المتضافرة والمتناسقة على اقتراف المتهم الرئيسي محمد ولد عبد العزيز للأفعال موضوع الاتهام إضرارا بالأطراف المدنية، كما أنه من البديهي أن هذه الأفعال المتنوعة والمتعددة ، شكلا ومضمونا ، لا يمكن أن يقام بها إلا بالاستعانة بموظفين شركاء يعينون على ارتكابها مستغلين مركزهم لهذا الغرض و يفترض فيهم عقلا أنهم يدركون بالضرورة مآرب المتهم الرئيسي التي لا لبس فيها ولا غموض حتى ولو لم يستفيدوا استفادة مباشرة من هذه التصرفات ، مما يجعلهم بغض النظر عن مسؤوليتهم الجنائية، مخطئين وفقا لأحاكم المواد: 97 ، 98 ، 118، 119 ، 120 إ.ع وملزمين بجبر الضرر الحاصل للطرف المدني .

وحيث لا يشفع لهؤلاء المتهمين بالاشتراك مع المتهم الرئيسي تذرعهم بأنهم لم يفعلوا أكثر من تنفيذ أوامر صدرت إليهم منه إذا كانوا على علم بالمآرب الإجرامية التي سعى إليها وهذا بالضبط ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 13 أكتوبر 2014 المعروف بقضية اخواصكورسيكا ، التي تتعلق بأوامر أعطاها حاكم الإقليم لقائد فرقة الدرك بحرق هذه الأخواص والمباني فقام هذا الأخير تنفيذا لتلك الأوامر بحرق هذه الأحواض والأعرشة التي كانت تحتضن مطعما مشهورا يوجد على شاطئ المحيط في مكان سياحي ، ولم ينج قائد الدرك من المتابعة ولا العقوبة ولم تستمع المحكمة إلى احتجاجه بأنه طبق أوامر صادرة إليه لعلة بسيطة جاءت في منطوق الحكم وهي أن “منفذ تلك الأوامر في رتبة من هرم السلطة لا يمكن أن يفوته معها عدم شرعية ما نفذه من أوامر”.

 

أما بالنسبة لمن استفادوا استفادة واضحة ، خصوصيين كانوا أو موظفين ، فلا مراء على مسؤوليتهم التضامنية مع المتهم الرئيسي فيما يتحمله من مسؤولية وتعويض وفي هذا السياق قررت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر بتاريخ 30/09/2008 ، فيما عرف بقضية تنصت الأليزيه على هواتف بعض الموظفين والمسؤولين الفرنسيين وغيرهم أنه ” كان من واجب الموظفين الامتناع عن تنفيذ الأوامر غير المشروعة التي صدرت إليهم”.

وبالتالي لا يستطيع المشمولون في الملف أن يتملصوا من المسؤولية بذريعة تلقيهمأوامر بالقيام بهذا الفعل او ذلك لأن المسؤولية في هذه الحالة مسؤولية شخصية للرئيس والمرؤوس.

 

وعلى صعيد آخر استشهد بعض المتهمين بأن بيع المدارس لم يتم إلا بعد تغيير الخريطة المدرسية التي يريد المتهم الرئيسي ان يحتج بما قام به وزير التعليم السابق فيها من تعديل لتبرير بيع مدارس العاصمة ، فهذه الخريطة ليست إلا مجرد خريطة تبين مواقع تواجد المدارس على عموم التراب الوطني مما يسهل متابعة تسيير المعلمين و غيرهم ، ولا يفيد المحو من هذه الخريطة نقل ملكية المباني المدرسية من ذمة ما لكلها الأصلي الذي هو البلديات التي تعتبر كيانات عمومية عامة يحق لها التملك عملا بمقتضيات الدستور والأمر القانوني رقم 87/289 بتاريخ 20 أكتوبر 1987 المنظم للبلديات وتحديدا المادتين 2، و28 التي أدرجت المدارس الابتدائية في أملاك البلدية العمومية وحددت طرق التصرف فيها و بالتالي كان من اللازم، كما أثرناه أثناء التحقيق أمام المحكمة أن تخرج هذه الممتلكات من الأملاك العمومية للبلدية وتدرج في الأملاك الخصوصية للدولة حتى يكون من الجائز بيعها للخصوصيين، وعليه يكون ما تم القيام به بشأن هذه المدارس ظاهر الفساد . ونظرا إلىأن هذا القرار تم اتخاذه دون تقديم لبدائل عنه تضمن استمرار الخدمة التعلمية و تحفظ الطابع التاريخي لهذه المباني العمومية ، مما يؤكد مرة أخرى أن الأمر لا يعدو كونه استيلاء على ممتلكات عمومية عقارية وتبديدا لها و لا يغير من ذلك تأشيرة إدارة التشريع لأنها لم تكن ساعتها إلا إحدى الوسائل المستخدمة لنهب الممتلكات العمومية

 

وحيث ينطبق نفس الشي على العقارات الأخرى التي تم نهبها كالثكنات العسكرية والملعب الأولمبي و مدرسة الشرطة والتلفزة الوطنية.

رابعا – حــول عناصر الضرر

 

أ- الضرر المادي

 

– الذي لحق بالدلة الموريتانية

 

بينت الأدلة طي الملف أن المتهم الرئيسي والمشتركين معه ألحقوا أضرار جسيمة بالدولة الموريتانية كشخصية اعتبارية معتمدين في ذلك أساليب متعددة شملتعلى وجه الخصوص الاستيلاء على الأملاك العقارية والنقدية بالإضافة إلى التهرب الجمركي والضريبي وتهريب الذهب و العملات .

 

– الذي لحق بمنطقة انواذيبو الحرة

 

حيث استولى المتهمون مباشرة أو بواسطة أشخاص آخرين على أراضي المنطقة الحرة وتم استخدام اسمها للإثراء على حساب الغير بفرض رسوم ومصاريف لا تقرها القوانين والنظم المعمول بها ، مما أدى إلى المساس بسمعتها مما انعكس سلبا على سمعتها ومستقبلها بسبب الإحجام عن الاستثمار فيها والحد من قدراتها المالية وماله من أثر سلبي على جدولة مشاريع البنى التحتية فيها وعدم إمكانية القيام بها .

 

– الذي لحق بشركة سنيم

 

حيث يثبت التقرير المرفق بهذه المذكرة والمعد من طرف شركة سنيم طبيعة وحجم الأضرار التي لحقت بها و التي تتلخص إجمالا في سوء استخدام أموال خيرية سنيم ومنح قرض لشركة النجاح يخرج عن الأهداف الاجتماعية لشركة سنيموبيع الأصول المعدنية (يراجع التقرير المرفق ) .

 

– الذي لحق بشركة صوملك

 

حيث أثبتت وثائق الملف وشهادة الشهود بشكل قاطع أن المتهم الرئيسي تدخل بصفة مباشرة من اجل منح صفقة خط الجهد العالي بين انواكشوطوانواذيبو ، للشركة الهندية كالباتاروبعد أن استبعدت الشركة بتدخل مباشر من المتهم الرئيسي وتواطؤ من المشتركين معه اتفاقية قرض ميسر لتمويل نفس المشروع ففوت بذلك على صوملك مبالغ هامة سنحددها في طلباتنا .

 

حيث ثبت من خلال الملف أيضا أنه تدخل بصفة شخصية لدى شركة صوملك ووزارة النفط للتواصل مع شركة جوي صولار الصينية سنة 2013 و 2016 ، بعد أن استقدمها قبل ذلك للسوق الموريتانية بشكل سري لإنارة القصر الرئاسي . و قد أبرمت هاتان الصفقاتن في تعارض تام مع النصوص التي تحكم الصفقات العمومية وكانت التجهيزات التي زودت بها هذه الشركة صوملك رديئة و معيبيه مما يستوجب من شركة صوملك إعادة ترميم ما أنجز من هذين المشروعين بنفقات باهظة لاكتمالهما . وظلت صوملك بقرة حلوبا تطلق باسمها المشاريع الكبرى لأخذ العملات الكبيرة مع عدم القيام بأي مجهود يتعلق بتطوير تسييرها و مواردها .

 

ب- حول الضرر المعنوي :

 

بالإضافة إلى ما ما تم ذكره بخصوص اقتراف كبيرة الغلول و ارتكاب جناية الثراء غير المشروع نورد في هذا المقام أيضا ما قرظ به الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بالفساد عندما قال “إن الفساد وباء غادر يترتب عليه نطاق واسع من الآثار الضارة في المجتمعات.فهو يقوض الديمقراطية وسيادة القانون، ويؤدي إلى ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان وتشويه الأسواق وتدهور نوعية الحياة ويتيح ازدهار الجريمة المنظمة والإرهاب وغير ذلك من التهديدات لازدهار الأمن البشري.

 

وتوجد هذه الظاهرة الخبيثة في جميع البلدان-كبيرها وصغيرها، غنيها وفقيرها إلا أن آثارها في العالم النامي أكثر ما تكون تدميرا.ويضر الفساد بالفقراء بصورة غير متناسبة بتحويل الأموال المعدة للتنمية وتقويض قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الأساسية، ويؤدي إلى التحيز والظلم ويثبط الاستثمار الأجنبي والمعونة الأجنبية.والفساد عنصر رئيسي في تدهور الأداء الاقتصادي وعقبة كبرى في طريق التنمية وتخفيف حدة الفقر.”

 

و مما لا شك فيه أن جريمة بهذا الحجم ألحقت أضرارا كبيرة بالدولة الموريتانية و بكياناتها المختلفة . حيث ساءت سمعتها في المحافل الدولية وتذيلت كافة التصنيفات والمؤشرات الدولية المتعلقة بالشفافية والنزاهة مما قوض فرص الاستثمار الأجنبي و أدى إلى تدهور الأداء الاقتصادي والمالي لكافة مؤسساتها بسبب هروب الرساميل الوطنية ، فشل عمل المنطقة الحرة وساءت سمعة كل من سنيموصوملك و فقدتا الكثير من مصداقيتهما محليا وخارجيا بالإضافة إلى غير ذلك من الأضرار المعنوية الأخرى التي يتعين جبرها.

 

حيث تبين ، من خلال التحقيق الذي جرى أمام محكمتكم ، أن طلبات استرداد المحجوزات تم تقديمها ، في جلها ، من غير ذي صفة ، كما كشفت الوثائق المدلى بها دعما لها صلة ملك تلك المحجوزات بالمتهمين وبالمتهم الرئيسي خصوصا ودول تلك المحجوزات في ذممهم وصلتها بالوقائع، مما ينفي عنها أي مصداقية ويستوجب رفضها.

 

وحيث إنه يتعين إعلان أن الأطراف المدنية تعلن أنها تحتفظ لنفسها بالمطالبة بالتعويض عن كافة الأضرار الناجمة عن كل ما لم يشمل الملف.

 

لهذه الأسباب كلها:

 

ـ ومع احتفاظ الأطراف المدنية بما لها من حقوق مترتبة عن وقائع منسوبة للمتهم الرئيسي والمشتركين معه ولم يشملها الملف المنشور أمامكم ـ

 

وعملا بأصول وكليات الشريعة ومقاصدها وبالنصوص القانونية الوارد ذكرها أعلاه واعتمادا على الأدلة والبينات المقدمة أمامكم ، فإننا نطلب من المحكمة الموقرة:

 

أولا- سماع القول والحكم برفض الدفع بعدم الاختصاص.

 

ثانيا- الحكم بمصادرة جميع ممتلكات المتهم الرئيسي التي لم يشملها التصريح الذي قام به يوم 7 أكتوبر 2010 أمام لجنة الشفافية المالية ، والحكم بمصادرة ممتلكات بقية المتهمين الآخرين المحجوزة.

 

ثالثا- الحكم على المتهم الرئيسي بالتضامن مع المشمولين معه ، كل فيما يخصه، بمبلغ 30 مليار أوقية جديدة ، لفائدة خزينة الدولة الموريتانية.

 

رابعا – الحكم عليه بالتضامن مع المشمولين معه ، كل فيما يخصه ، بأن يدفع لصالح شركة صوملك المبالغ التالية:

 

مبلغ 247.114.035 أوقية جديدة ، تمثل ما تم تسديده دون عوض لشركة جوي صولار بالإضافة إلى كلفة ترميم شبكة الإنارة العمومية بالطاقة الشمسية.

 

مبلغ 43500000 دولار أمريكي تمثل الفرق بين سعر الفائدة المطبق على قرض EXIMBANK اكزيم بانك وما أضيف إليه من عمولات وسعر الفائدة المطبق على القرض الذي كان ممنوحا للعارضة من طرف الصناديق السعودية ، وهو السعر الذي قدره 1% ، كل ذلك تعويضا لها عن الأضرار المباشرة.

 

مبلغ 145.000.000 دولار أمريكي ، تعويضا لها عما فاتها من كسب يمثل في تفويت فرصة الإعفاء من مديوينة القرض الذي كان ممنوحا لها من الصناديق السعودية بدل قرض EXIMBANK اكزيم بانك وهي فرصة معدومة بالنسبة لقرض هذا البنك الهندي.

 

مبلغ 600.000.000 أوقية جديدة ، تمثل تعويضا عن الأضرار المعنوية الأخرى .

 

خامسا- الحكم عليه بالتضامن مع المشمولين معه ، كل فيما يخصه ، بأن يدفع مبلغ 000 000 049 2 أوقية جديدة ، لصالح شكة سنيم تمثل تعويضا عن الأضرار التي لحقت بها والمفصلة في التقرير المرفق.

 

سادسا- الحكم عليه بالتضامن مع المشمولين معه ، كل فيما يخصه ، بأن يدفع مبلغ 179.730.690 أوقية جديدة ، لفائدة المنطقة الحرة بانواذيبو، تمثل تعويضا عن الضرر المادي المباشر الذي لحق بها بسبب بيع عقاراتها ، بالإضافة إلى مبلغ 100.000.000 أوقية جديدة عن الأضرار المعنوية المتنوعة التي لحقت بها .

 

سابعا – التصريح ببطلان كافة التصرفات المتعلقة بالعقارات في انواكشوط ، و انواذيبو

 

ثامنا- رفض جميع طلبات الاسترداد التي تقدم بها الغير أمامكم والتي تتعلق بممتلكات يعود في الواقع ملكها للمتهمين.

 

تاسعا – الحكم بالنفاذ المعجل.

 

والله ولي التوفيق

 

عــــــــــــــــــــــــن فريق الدفاع

منسقه ، النقيب إبراهيم ابتي

شاهد أيضاً

ولد القزوانى إلى داكار

توجه رئيس الجمهورية، رئيس الاتحاد الإفريقي، محمد ولد الشيخ الغزواني، اليوم، إلى العاصمة السنغالية داكار، …