مسعودة بنت محمد الاغظف وزيرةً للبيئة، بدا واضحًا أن هذا القطاع الحيوي قد أُلحِق بقطار المحاصصة السياسية، لا بمعايير الكفاءة أو التخصص. فمن رحم العقد السياسي الهجين الذي قاد مبادرة داعمة للانقلاب العسكري على الرئيس الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله خرجت الوزيرة الحالية، حاملة معها موروثًا من المنطق السياسي البراغماتي الذي يقدم الولاء على الكفاءة.

غير أن إدارة البيئة ليست مسألة شكلية ولا قطاعًا ثانويًا يمكن ملؤه بالترضيات، بل هي رهان وجودي يرتبط بسياسات المناخ، والاستدامة، وحماية الموارد الطبيعية، وكلها ملفات تحتاج إلى عقلٍ علميّ مؤهل يمتلك خلفية أكاديمية متينة في السياسات البيئية، التغير المناخي، أو الاقتصاد الأخضر. تجاهل ذلك ليس مجرد خطأ إداري بل جناية في حق المصلحة العامة في بلدٍ هش بيئيًا كـموريتانيا.

تجسّد العبث المؤسسي في تهميش هذا القطاع وتفريغه من محتواه التنموي. إذ تشير ميزانية وزارة البيئة في قانون المالية المعدّل لسنة 2025 إلى مبلغ 1,567 مليار أوقية قديمة، ومع ذلك انحرفت الأولويات نحو مشاريع هامشية لا معنى لها، من قبيل توزيع حاويات صغيرة في شوارع نواكشوط وداخل المكاتب الحكومية بحجة “تجميل المدينة”. هذه الخطوة “التي بلغت قيمة الواحدة منها 160 ألف أوقية قديمةتحولت إلى رحلة بيروقراطية تكلف أكثر من مليوني أوقية قديمة عند احتساب تعويضات السفر، في مشهد عبثي يلخص عمق الأزمة.

بهذا النمط من التسيير، تتحول وزارة البيئة من جهاز استراتيجي إلى إدارة شكلية يديرها بعض الموظفين باسم الوزيرة، بينما تُهمل الملفات الجوهرية: مكافحة التصحر، رقابة النفايات، السياسات المناخية، وتعاون موريتانيا الدولي في الاتفاقيات البيئية. إن هذا الفشل الذريع لا يعكس فقط ضعف التخطيط، بل أيضًا انعدام الرؤية واحتقار النص القانوني الذي يحدّد بوضوح مسؤولية الدولة في حماية البيئة. وفي الوقت الذي تغرق فيه البلاد في أزمات بيئية حقيقية —من التلوث إلى فقدان الغطاء النباتي— تُهدر مواردها في صفقات هشة ومبادرات شكلية لا أثر لها في الواقع. لقد آن الأوان لإحداث قطيعة حقيقية مع منطق التعيين السياسي في القطاعات الفنية، ولتسليم إدارة البيئة إلى أصحاب الكفاءة العلمية، لا إلى من جاءوا على ظهر الصفقات السياسية. فبيئة موريتانيا ليست “تجربة إدارية”، بل مسألة بقاء وكرامة وطني.
الهضاب إنفو موقع إخباري مستقل