الفروق الجوهرية بين المتغير الكامن والمتغير المقاس في البحث التربوي والنفسي/فتحى البلدي/

في البحوث النفسية والتربوية، لا يقتصر الباحث على ملاحظة الظواهر كما تبدو، بل يسعى إلى فهم ما يكمن خلفها من عوامل غير مباشرة تفسر السلوك البشري والتباينات الفردية. وهنا يظهر الفرق بين نوعين من المتغيرات: المتغيرات الكامنة (Latent Variables) والمتغيرات المقاسة أو الظاهرية (Observed Variables)، وهما حجر الأساس في النمذجة البنائية وتحليل العوامل التوكيدية، بل وفي تفسير الظواهر التربوية والنفسية بعمق علمي يفوق القياس السطحي المباشر.
أولًا: المتغير الكامن
هو مفهوم نظري غير مباشر لا يمكن ملاحظته أو قياسه بشكل مباشر، لكنه يُستدل عليه من خلال مجموعة من المؤشرات أو الفقرات المقاسة.
ويمثل هذا النوع من المتغيرات السمات أو البُنى النفسية الداخلية، مثل: الذكاء، الدافعية، القلق، الاتجاهات، والرضا الدراسي.
ويُستخدم المتغير الكامن لتفسير التباين المشترك بين المتغيرات المقاسة، أي أنه العامل الخفي الذي يفسر الترابط بين السلوكيات الظاهرة.
 مثال توضيحي:
الدافعية للتعلم لا تُرى بالعين المجردة، ولكن يمكن الاستدلال عليها من خلال إجابات الطلاب على فقرات مقياس مثل:
“أبذل جهدًا إضافيًا عندما أتعلم شيئًا جديدًا.”
“أشعر بالمتعة عندما أحقق إنجازًا دراسيًا.”
“أضع أهدافًا تعليمية لنفسي وأسعى لتحقيقها.”
وعلى ذلك فإن إجابات الطلاب على هذه البنود تمثل المتغيرات المقاسة، بينما الدافعية للتعلم نفسها تمثل المتغير الكامن.
ثانيًا: المتغير المقاس أو الظاهري
هو المتغير الذي يمكن ملاحظته وقياسه مباشرة من خلال أدوات القياس (كالاستبيانات، الاختبارات، أو الملاحظة).
وهو يمثل السلوك أو المؤشر الذي يعكس المتغير الكامن. ويُستخدم في النماذج التحليلية كمؤشر observable يقيس خاصية خفية داخلية.
أمثلة:
درجة الطالب في اختبار الذكاء تمثل متغيرًا مقاسًا يعكس المتغير الكامن وهو الذكاء العام. كما أن إجابة الطالب على بند في مقياس الاتجاه نحو المدرسة تمثل متغيرًا مقاسًا يعكس الاتجاه الكامن نحو المدرسة.
ثالثًا: العلاقة بين المتغير الكامن والمقاس:
تعد العلاقة بينهما علاقة سببية من نوع انعكاسي (Reflective) في معظم النماذج، إذ يولد المتغير الكامن المؤشرات المقاسة. أي أن التغير في المتغير الكامن يؤدي إلى تغير في المؤشرات المقاسة، وليس العكس. فارتفاع الدافعية (كعامل كامن) يؤدي إلى ارتفاع درجات الطالب في بنود قياس الدافعية، وهو ما يُعبَّر عنه في نموذج القياس باستخدام السهم الخارج من المتغير الكامن إلى المتغيرات المقاسة.
رابعًا: تطبيق تربوي في مجال علم النفس التربوي:
في دراسة تهدف إلى تفسير العلاقة بين الدافعية الأكاديمية (متغير كامن) والتحصيل الدراسي (متغير مقاس)، يمكن للباحث أن يفترض أن الدافعية الأكاديمية تؤثر إيجابيًا على التحصيل الدراسي.
وتقاس الدافعية الأكاديمية من خلال مقياس مكون من عدة فقرات تمثل المؤشرات المقاسة. أما التحصيل الدراسي فيقاس من خلال الدرجات الفعلية للطلاب في الاختبارات (وهي متغيرات مقاسة مباشرة).
وباستخدام نموذج التحليل العاملي التوكيدي (CFA) أو النمذجة البنائية (SEM)، يمكن التحقق من جودة المؤشرات في تمثيلها للمتغير الكامن، وكذلك من قوة تأثير الدافعية الأكاديمية على التحصيل الدراسي.
وهكذا يستطيع الباحث أن ينتقل من الوصف السطحي إلى الفهم العميق للعلاقات النفسية الكامنة وراء السلوك الدراسي.
وعلى ضوء ما سبق يتضح إن التمييز بين المتغير الكامن والمقاس ليس ترفًا أكاديميًا، بل هو أساس الفهم العلمي العميق للسلوك الإنساني. فالمتغير المقاس يصف ما نراه، أما المتغير الكامن فيفسر لماذا نراه.
وحين يجيد الباحث في علم النفس التربوي التفريق بينهما، يصبح أكثر قدرة على بناء أدوات قياس دقيقة، ونماذج تفسيرية تكشف جوهر الظواهر التربوية لا مجرد مظاهرها.

شاهد أيضاً

الدخين واحد من مظاهر الإعجاب عند مجتمع البظان

للإعجاب في المجتمع البيظاني طابع خاص، يجمع بين الرمز والعاطفة والذوق الرفيع، وقد عبّرت عنه …