الدخين واحد من مظاهر الإعجاب عند مجتمع البظان

للإعجاب في المجتمع البيظاني طابع خاص، يجمع بين الرمز والعاطفة والذوق الرفيع، وقد عبّرت عنه الصحراء بطريقتها المميزة، فحوّلته إلى عادات راقية ورموز شعرية خالدة.
في المحافل والاحتفالات، كان الرجل إذا أُعجب بفتاة رمى نحوها لثامه أو بعض أدواته الخاصة، كالغليون أو التميمة، عربونا عن المودة، وتتلقّى الفتاة أو قريباتها هذا العربون وتُعيده بفدية تُعرف بالطلصة ، وكلما غلت قيمتها دلّ ذلك على مكانة البنت واهتمام الخطّاب بها ومثلها في الدلالة الحوص والتعرݣيبة.
هذه العادة التي تعرف باسم الزرݣة وأشار إليها الشعر الحساني تُجسّد الإعجاب المهذّب الممزوج بالرمزية والكرم.
وفي هذا الصدد يصف لمغنّي الطيّب ول ديدي سهرة أقيمت في دار أهل أحيمدها ، حيث تألقت النساء في الرقص والغناء فأنعشن إعجاب الحضور.
وقد عبّر الرجال عن إعجابهم برمي النقود، بينما اكتفى لمغنّي بالنظر إلى مريم (ازرݣ عينيه) مرات عديدة :
البَارَحْ عَنْدْ أَمْنَاتْ ،، أَحَيْمَدْهَا بَالذَّاتْ
هَاكْ أَخْلَݣْ شِي تَنْعَات ،، اعْلَ وَزْنْ أَفْسَيْنِي
زَرْݣُو فِيهْ أُوݣيَّاتْ ،، عِيِّلْ عَنْ يَمِينِي
وَازْرَݣتْ آَنَا مَرَّاتْ ،، أَعْلَ مَرْيَمْ عَيْنِي
وفي المقابل، عُرفت عادة أخرى أكثر جرأة، هي الوسم بالغليون (الكي بالطوبة) بعد التدخين مباشرة ، إذ كان بعض الرجال يُقبلون على وسم النساء كتعبير عن الوله والإعجاب، في طقس غزليّ جسديّ يعكس حرارة المشاعر وقسوة التعبير عنها في آنٍ واحد ، وقد عبّر عن هذا لمغنّي أمّد ول اعلبطالب (ينسب هذا النص ايضا للشيخ ابراهيم ول امينو ) في نص ساخر إذ يخاطب محبوبته قائلا إن من يحيطون بها ليسوا محبين حقيقيين، بل يُسيئون إليها بإفراطهم في إظهار الإعجاب، حتى بلغ بهم الأمر إلى إحراق جسدها بالوسم في مواضع مختلفة ، ويبالغ لمغنّي -بنبرة فكاهية لاذعة- قائلا ان إستمرارهم في ذلك سيجعلها تبدو كخبزة محروقة تُباع بثمن بخس :
ݣومَانِكْ يالنّقصَدْ ،، مَاهمْ ݣَومَانْ أحمَدْ
ݣَطّْ اكواوِكْ فالزّندْ ،، لَيلَة هونْ احْذايَا
وݣطْ اكواوكْ فالخدْ ،، عاݣبْ ذَاكْ اورايَا
وإيلَا تمُّو يكْوُوكْ ،، ذو الݣومْ الكوّايَا
مايبطَاوْ إواسُوكْ ،، يالرّيم امبُرَايَا
محْروݣة وإبِيعُوكْ ،، الحدْ ابعَشْرَايَا
وهكذا تتنوّع مظاهر الإعجاب في أرض البيظان بين ما هو رمزيّ نبيل وما هو فعليّ جريء، لكنها جميعا تعبّر عن ثراء الوجدان البيظاني وقدرته على تحويل العاطفة إلى طقس اجتماعي وشعري فريد، يجمع بين الأصالة والجمال وجرأة البوح.

شاهد أيضاً

الفروق الجوهرية بين المتغير الكامن والمتغير المقاس في البحث التربوي والنفسي/فتحى البلدي/

في البحوث النفسية والتربوية، لا يقتصر الباحث على ملاحظة الظواهر كما تبدو، بل يسعى إلى …