يشكّل التعليم في موريتانيا أحد أهم الملفات الوطنية التي ما تزال تطرح إشكالات كبيرة رغم الجهود الحكومية المتلاحقة. فبين طموح بناء مدرسة جمهورية فعّالة، وواقع تحديات متشابكة، يقف التلميذ الموريتاني أمام مسار تعليمي يحتاج إلى إصلاحات أعمق وحلول أكثر جرأة.
بنية تحتية هشة… ومدارس بلا تجهيزات
تعاني آلاف المدارس، خصوصًا في الداخل، من ضعف شديد في البنية التحتية.
فالفصول المكتظة ما تزال ظاهرة مألوفة، بينما تفتقر مؤسسات عديدة إلى أبسط التجهيزات مثل المقاعد، والمختبرات، والمكتبات المدرسية. وفي بعض القرى، تُدرّس المواد في أكواخ مؤقتة أو تحت ظلال الأشجار خلال فصل الصيف.
نقص المدرسين وتفاوت الكفاءات
يشكّل نقص المدرسين مشكلة مزمنة.
ورغم حملات الاكتتاب الأخيرة، ما يزال التوزيع غير متوازن بين الولايات، حيث يتكدس المدرسون في المدن الكبرى بينما تعاني القرى النائية من عجز حاد.
إلى ذلك، تُطرح إشكالية تكوين المدرس، إذ يشتكي كثير من الفاعلين من ضعف برامج التدريب المستمر وعدم مواكبتها لأساليب التعليم الحديثة. وضعف فى الرواتب و الامتيازات.
ازدواجية لغوية تربك المسار التعليمي
تستمر الازدواجية اللغوية (العربية – الفرنسية) في تشكيل عقبة أمام جودة التحصيل.
فالطالب الموريتاني يتنقل بين لغتين تعليميتين دون وجود مسار واضح أو سياسة لغوية مستقرة، مما ينعكس على مستوى الفهم، خاصة في المواد العلمية.
مناهج قديمة… وأساليب تلقينية
تتعرض المناهج الدراسية لانتقادات واسعة بسبب قدم محتواها وابتعادها عن مهارات القرن الحادي والعشرين.
يعتمد التعليم في أغلبه على التلقين والحفظ، بينما تغيب التقنيات الحديثة، والتعلم التفاعلي، وتطوير مهارات التفكير النقدي والإبداع.
الفجوة الرقمية… واقع يحد من الطموح
رغم انتشار الإنترنت نسبيًا في المدن، ما تزال المدارس تواجه صعوبات في دمج التكنولوجيا، وهو ما ظهر بوضوح خلال جائحة كورونا.
فالعديد من الأسر لا تملك أجهزة رقمية، مما يجعل التعليم عن بعد تحديًا شبه مستحيل في بعض المناطق.
تعليم الفتيات… إنجازات محفوفة بالتحديات
حققت موريتانيا تقدمًا ملحوظًا في تمدرس الفتيات، إلا أن نسب الىسوب لا تزال مرتفعة في المجتمعات الريفية نتيجة عوامل اجتماعية واقتصادية، مثل الزواج المبكر وبعد المدارس عن التجمعات السكانية.
جهود حكومية… لكن الطريق طويل
تبذل الحكومة جهودًا لتحسين المنظومة عبر:
- برنامج المدرسة الجمهورية
- مراجعة المناهج
- اكتتاب أعداد جديدة من المدرسين
- تطوير البنى التحتية في بعض الولايات
لكن خبراء التعليم يرون أن الإصلاح الحقيقي يتطلب رؤية شاملة تشمل التمويل، وتأهيل المدرسين، وتحديث المناهج، وتعزيز الرقابة على جودة الأداء داخل المؤسسات.
ختامًا
يبقى التعليم في موريتانيا قطاعًا يملك إمكانات كبيرة، لكنه ما يزال أسيرًا لمعوقات مزمنة. إصلاح هذا القطاع ليس خيارًا، بل ضرورة لبناء جيل قادر على قيادة المستقبل، وتحقيق التنمية التي تطمح إليها البلاد.
عبد الله فال المصطفى
الهضاب إنفو موقع إخباري مستقل