على وقع الربيع المغربي او ثورة المرامة ضد السلطة اذ حين يكون من يسير أمور الناس شخصًا فقد إنسانيته منذ أن أُهين في ماضيه، وجاء إلى منصبه بمنة من “ولي نعمته”، فإن النتيجة الطبيعية أن تتحول السلطة إلى وسيلة إذلال، لا إلى أداة إصلاح. فالإنسان المعقّد، الذي صعد على أكتاف الواسطة أو التزلف، لا يعرف من القيادة إلا ممارسة الاحتقار على من هم دونه، لأنه ببساطة يعيش عقدة نقص سرمدية.
ومن هنا، السيد الرئيس، إن أول خطوة لبناء دولة عادلة هي أن تبني كرامة الموظف عبر حفظ مساره الوظيفي، حتى لا يضطر الناس إلى الخروج للشارع لمواجهة السلطة. فالمسار الوظيفي ليس منّة من أحد، بل حق مشروع يحمي الموظف من الشعور بالذلّ، ويمنع الإدارة من التحول إلى ساحة صراع نفسي.
الأستاذ بلا مسار وظيفي عادل، لن يبني لك إلا جيلًا معقدًا، لأنه سيسرب ضغوطه النفسية إلى تلامذته، وهكذا يتحول التعليم من فضاء لبناء الإنسان إلى مصنع لإعادة إنتاج الأزمات. والمجتمع حينها يدخل في دائرة مفرغة من الفعل وردة الفعل: سلطة تحتقر موظفها، وموظف يفرغ احتقاره في الأجيال، وأجيال تنشأ معقدة لتعيد إنتاج المشهد نفسه.
إن أخطر ما يهدد مستقبل الوطن ليس فقط الفساد المالي أو السياسي، بل الفساد النفسي الذي يتسرب من مؤسساتنا عبر موظفين لم يُصَن مسارهم الوظيفي ولم تُحترم كرامتهم. فإذا لم ننتبه للحالة النفسية للوصي على شؤون مجتمعنا، فسنصل إلى نقطة قد يستحيل معها شفاء هذا المجتمع.