تسعى دولة الامارات العربية المتحدة إلى ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية فاعلة في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي من خلال استراتيجيات متكاملة تجمع بين النفوذ العسكري والاستثمارات الاقتصادية والدبلوماسية الذكية. يعتمد نهجها على إنشاء تحالفات استراتيجية مع دول محورية مثل جنوب السودان، أوغندا، إريتريا، كينيا، والسودان، بهدف السيطرة على الممرات الحيوية، تعزيز مصالحها الاقتصادية، وتأمين نفوذ سياسي طويل الأمد في منطقة تشهد صراعات وتنافسات إقليمية كبيرة.
في جنوب السودان، تمثل الاستثمارات الإماراتية، وأبرزها القرض النفطي الضخم بقيمة 13 مليار دولار، أداة مزدوجة لتحقيق النفوذ الاقتصادي والسياسي. هذا التمويل يمكن الإمارات من توجيه مشاريع البنية التحتية والاستفادة من إيرادات النفط على المدى الطويل، ما يضمن لها نفوذا مستداما في اقتصاد الدولة، بينما يضع الحكومات المحلية أمام خيارات اقتصادية محدودة، ويعزز اعتمادها على الدعم الإماراتي. هذه الاستراتيجية تعكس رغبة أبوظبي في أن تصبح لاعبا حاسماً في إعادة تشكيل موازين القوى في الدولة الشابة.
في أوغندا، يشكل الاستثمار الإماراتي في مصفاة النفط الأولى بقيمة 4.5 مليار دولار خطوة استراتيجية لتعزيز السيطرة على قطاع الطاقة، الذي يعد مفتاحاً للنمو الاقتصادي الإقليمي. يتيح هذا المشروع للامارات السيطرة على عمليات الإنتاج والتصدير، ويعزز من مكانتها كفاعل رئيسي في سلسلة الطاقة الأفريقية، مما يمنحها أدوات ضغط اقتصادية وسياسية على الحكومات المحلية ومنافسيها الإقليميين.
أما في إريتريا، فتبرز قاعدة ميناء عصب العسكرية كرمز لقدرة الإمارات على فرض نفوذها الاستراتيجي بعيدا عن حدودها، مع التحكم في نقاط حيوية على البحر الأحمر. استخدام هذه القاعدة كنقطة انطلاق للعمليات العسكرية في اليمن يعكس استراتيجية أوسع تهدف إلى ربط النفوذ العسكري بالقدرة الاقتصادية والسياسية، ما يجعل الإمارات لاعبا قادراً على التأثير في التوازنات الإقليمية بحرية أكبر. ومع ذلك، يثير هذا التوسع العسكري انتقادات دولية ومحلية حول التدخل في السيادة الوطنية، ما يفرض على الإمارات إدارة دقيقة لتوازنات القوة.
في كينيا، يعد التعاون الاقتصادي محوراً أساسيا لاستراتيجية الإمارات في شرق أفريقيا. المشاريع الكبرى في البنية التحتية، وخصوصاً السكك الحديدية التي تربط كينيا بجيرانها، تعكس الرغبة في إنشاء شبكات تجارية متكاملة تحت النفوذ الإماراتي. هذا التوجه لا يضمن فقط نفوذاً اقتصادياً مباشراً، بل يوفر أيضا أدوات استراتيجية للسيطرة على حركة التجارة الإقليمية وتأثير على السياسات الاقتصادية للدول المتصلة بهذه الشبكات.
أما في السودان، فقد اتخذت الإمارات مزيجا من النفوذ الاقتصادي والسياسي والعسكري لتعزيز دورها في المشهد الإقليمي. دعمها المالي والمشاريع الاستثمارية الضخمة في الموانئ والمناطق الحرة تمكنها من توجيه مسار الاقتصاد المحلي، بينما يمنحها التدخل العسكري غير المباشر أدوات ضغط قوية في النزاعات الداخلية. هذه الاستراتيجية تتيح للإمارات ليس فقط الحفاظ على مصالحها الاقتصادية، بل التأثير في السياسات الداخلية للدولة بشكل مستمر.
تعكس هذه السياسات الإماراتية رؤية طويلة المدى تتمحور حول التحكم في الموارد الحيوية، الموانئ الاستراتيجية، ومسارات التجارة الدولية، مع تقليل المخاطر السياسية من خلال إنشاء تحالفات اقتصادية وعسكرية متوازنة. ومع ذلك، تواجه الإمارات تحديات متعددة تشمل المنافسة الإقليمية من تركيا وقطر، المخاطر الأمنية المرتبطة بالتواجد العسكري، والانتقادات الدولية حول التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستهدفة.
يبقى السؤال الاستراتيجي حول مدى قدرة الإمارات على الحفاظ على نفوذها طويل المدى في ظل هذه التحديات، وكيف ستوازن بين مصالحها الاقتصادية، أهدافها السياسية، والاستقرار الإقليمي في بيئة معقدة تتداخل فيها المصالح المحلية والدولية. التجربة الإماراتية تمثل نموذجا معاصرا للتدخل الجيوسياسي الذكي الذي يعتمد على مزج القوة الاقتصادية والعسكرية مع النفوذ السياسي، في سعي مستمر لتعزيز مكانتها كقوة اقليمية فاعلة.
زكرياء نمر