جماعة الاخوان المسلمين ليست مجرد حركة سياسية او دينية، بل هي جماعة ميكافيلية بمعنى الكلمة، تستخدم الدين كوسيلة لتحقيق اهداف سياسية وعسكرية، تتبع مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة” بلا ادنى اعتبار للقيم الاخلاقية او مبادئ الدين الحقيقية. في الفكر الاخواني، السلطة الدنيوية تاخذ قداسة تفوق حتى قداسة السلطة الدينية، فالمرشد العام للجماعة يعتبر الشخصية العليا التي تعمل على اقناع الجماهير بان الدين لا يمكن ان يرفع او يعتلى الا اذا استخدم كوسيلة لتحقيق الصعود الى اعلى مراتب الحكم والسيطرة.
هذا الفكر الانتهازي، الذي يراوغ عقول الناس ويغريهم باوهام الاسلام الحقيقي من خلال افكار مشوهة، هو السبب الرئيسي الذي جعل الاخوان في مركز الكراهية والرفض في مختلف انحاء العالم العربي، بل وفي العالم الاسلامي باجمعه. اذ اصبح من الواضح ان جوهر هذه الجماعة ليس سوى استغلال الدين لغايات شخصية وحزبية، مما افقدهم مصداقيتهم بين الشعوب التي عانت من نتائج حكمهم او تاثيرهم.
والغريب حقا ان جماعة الاخوان ما زالت تمضي على نفس المنهج القديم، تنشر عبر وسائل اعلامها التابعة لها نفس الاكاذيب والخداع، وتستهدف من خلال ذلك الشرائح الساذجة او التي تفتقر الى وعي نقدي عميق. انها تستغل جهل هذه الفئات وتدفعهم نحو قبول افكار لا تقوم على فهم حقيقي، وان فكرت هذه الفئات وادركت الحقيقة، فغالبا ما تساوت نظرتهم مع نظرة بهائم الانعام التي لا تميز بين الصواب والخطأ.
ولا يقتصر الامر على ان كراهية الناس للاخوان قائمة على فتوى دينية او اعتراض على كتب مثل تلك التي كتبها سيد قطب، بل انها مبنية على الواقع العملي، على تجارب الشعوب مع هذا الفكر الذي اصبح من الماضي ولم يعد قادرا على ان يكون حاضرا او مؤثرا بشكل مستمر حتى ولو عاد اتباعه لممارسة طقوسهم وطقوسهم في الخفاء، في كهف الظلام التي لا يراها الناس.
عندما يتحدث الغنوشي عن ان الثورة لديها ابناء سيدافعون عنها، فلا بد ان نسأله: من هم هؤلاء الابناء؟ هل هم اولاك الذين يجلسون على نواصي الشوارع، يعانون من الفقر المدقع والبطالة التي تقضي على امالهم؟ هل هم اولاك الذين عجزوا حتى عن توفير ابسط مقومات الحياة، مثل الحليب ورغيف الخبز لاراملهم؟ ام هم فئة مغلقة من القلة التي تستفيد من النفوذ والسلطة على حساب الشعب؟
ايها الغنوشي، الذي تظن ان الشعب لا يعي، الناس لم تعد تاكل هذه الشعارات الرنانة ولا تشرب من كؤوس الخرافات التي انت وصحبتك تنثرونها عبر كتب سيد قطب ورسائلكم المزيفة، فالزمن تغير، والناس تغيرت، والوعي الجماهيري اصبح حائط صد ضد هذا النوع من التزييف.
واعتقد ان المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين، الغنوشي، لا يقصد ابناء تونس الشرفاء الذين شاركوا في ثورة الياسمين، بل يقصد تلك الذياب المنفردة في جبل الشعانبي، التي لم تستطع الانتصار في معركة اتحد فيها الجيش والشعب في مواجهة خطر حقيقي. هؤلاء ليسوا ابناء الثورة، بل حراس على مصالح شخصية ضيقة.
و يجب ان يدرك الجميع ان الاخوان قد فقدوا البوصلة، ولم يعودوا يمثلون سوى جزء من الماضي الذي يجب تجاوزه، وان الشعوب العربية التي تعاني من واقع متردي لا تحتاج الى شعارات فارغة، بل الى برامج تنموية حقيقية ونظرة اصلاحية قائمة على المصلحة الوطنية والعدالة الاجتماعية.