هذا التقرير هو توثيق وتحليل شامل للأحداث والتطورات المتعلقة بمشروع اركيز الزراعي. ويتكون من ملحقين رئيسيين:
1. الملحق الأول: يتناول الشبهات المتعلقة بالفساد المالي (المتعلق بتمويل المشروع).
2. الملحق الثاني: يركز على الاختلالات وسوء التنفيذ، والتي كان لها تأثير كبير على تحقيق أهداف المشروع.
الملحق الأول،
ونلقي فيه الضوء على الشبهات المحيطة بآليات التمويل: حجم الموارد المرصودة، وعدم الالتزام بأوجه صرفها، مع الإشارة إلى التجاوزات والتهاون الذي أدى إلى تأخر المشروع وارتفاع كلفته .
شبهات الفساد في صرف التمويل في مشروع اركيز الزراعي
في الثالث والعشرين من نوفمبر عام 2023، وتزامناً مع الذكرى 63 لعيد الاستقلال الوطني، تم تدشين مشروع اركيز الزراعي بحفل رسمي ترأسه رئيس الجمهورية وأعلن فيه وزير الزراعة أن تكلفة المشروع بلغت: 127,5 مليون ريال سعودي وهو ما يعادل 12,7 مليار أوقية قديمة حسب قوله، ممولة من الصندوق السعودي للتنمية، الذي كان ممثلا في حفل التدشين من طرف مدير عام عمليات الدول العربية في الصندوق.
غير أن الموقع الرسمي التابع لوزارة الزراعة نشر بعد ذلك معلومات مختلفة، حيث أشار إلى أن تكلفة المشروع وصلت إلى 14.4 مليار أوقية .
أولا : التناقض في قيمة الصفقات والتكاليف المعلنة
بحسب الموقع الرسمي للجنة رقابة الصفقات العمومية، توجد ثلاث صفقات فقط لتنفيذ أشغال هذا المشروع، موزعة على النحو التالي:
1. مبلغ 5,8 مليار أوقية: قيمة الصفقة مع شركة “استام” لاستصلاح 3500 هكتار (الوثيقة1)
2. مبلغ 3,2 مليار أوقية قديمة: قيمة الصفقة مع شركة “SNAT”, و (MTC ) المخصصة لتجريف مجرى لعويجة (الوثيقة 2)
3. مبلغ 237 مليون أوقية قديمة (+ 667.200 أورو)، قيمة الصفقة مع مكتب الدراسات (MCG) (الوثيقة3)،
ومنه يتضح أن التكلفة حسب الصفقات المبرمة هي حوالى: 9,3 مليار أوقية قديمة فقط، أي بفارق كبير (حوالي 4 إلى 5 مليارات أوقية) عن تكلفة المشروع المعلنة رسمياً والتي اختلفت من جهة لأخرى كما يلي :
• التكلفة المعلنة عبر الموقع الرسمي للصندوق السعودي للتنمية 43 مليون دولار، وهو ما يعادل 13,5 مليار أوقية قديمة كما تثبت (لقطة الشاشة 1)
• التكلفة المنشورة عبر الموقع الرسمي لوزارة الزراعة: 14.4 مليار أوقية قديمة، قد يتعلق الأمر بتمويل إضافي من الخزينة العامة زيادة على المبلغ الاجمالي للقرض كما تثبت (لقطة الشاشة 2).
ثانيا: شبهات الفساد
يشير الفارق البالغ 4 مليارات أوقية إلى وجود أموال تم تبديدها أو صرفها في أوجه غير واضحة وخارج إطار الاتفاقيات المبرمة مع الصندوق السعودي، هذه الممارسات تثير تساؤلات عديدة حول:
• شفافية التصرف في التمويل.
• الجهات المستفيدة من هذا الفارق.
• مدى التزام الجهات المعنية باحترام اتفاقيات التمويل الدولي.
هذا، وراسلت المنظمة وزارة الزراعة والأمن الغذائي مرتين للحصول على معلومات تتعلق بهذا التباين الواضح بين الجهات المعنية بخصوص الكلفة الاجمالية للمشروع (الرسالة الأولى كانت بتاريخ 14/08/2024)، غير أننا لم نحصل على أي رد على تساؤلاتنا (نسخ من المراسلات مرفقة).
بنود الاتفاقية ودلائل تبديد الأموال المختفية
توضح بنود اتفاقية التمويل مع الصندوق السعودي للتنمية، والتي أرفقنا نسخاً منها في هذا الملحق، أن بعض الأموال المفقودة كان مخصصاً لعدة فئات أساسية من المشروع، وفقاً للجدول الاول من الاتفاقية (الوثيقة 4)، والمفصل في الجزئيين الثاني والثالث من (وصف المشروع) (الوثيقة 5)، وذلك على النحو التالي :
1. شراء المعدات الزراعية:
• ثمانية جرارات مزودة بكامل ملحقاتها.
• أربع حاصدات مخصصة للأرز والقمح.
2. الإرشاد الزراعي:
• تقديم التدريب والدعم الفني للمزارعين المحليين لتعزيز قدراتهم الإنتاجية.
• توفير المتطلبات اللوجستية.
التأخر الكبير في التنفيذ والخسائر المالية
أحد أبرز الاختلالات التي أثرت على الاتفاقية هو تأخر تنفيذ المشروع بأربع سنوات عن الآجال المحددة، حيث كان من المفترض أن ينتهي تنفيذ المشروع قبل عام 2020، إلا أنه تأخر أربع سنوات، فنتج عن ذلك نفاد فترة السماح، فبدأ تسديد دفعات القرض واحتساب الفوائد قبل انتهاء المشروع بثلاث سنوات، ودون الاستفادة من فترة السماح (الوثيقة 6).
ثالثا: الآثار الاقتصادية السلبية
1. هدر الموارد المخصصة لثلاث فئات:
• تبديد الأموال التي كان من المفترض استخدامها لشراء المعدات والحاصدات، مما تسبب فعلا خلال السنة الاولى في ضعف الإنتاج وتلف جزء مهم من المحاصيل،
• تبديد الموارد المخصصة للدعم الفني والمتطلبات اللوجستية، مما أثر بشكل مباشر على كفاءة المشروع ومعاناة المزارعين،
• استنزاف الرصيد الاحتياطي، حيث يشير الجدول رقم1، (الوثيقة 4) إلى أنه تمت برمجة 16 مليون ريال، أي ما يعادل 1,7 مليار أوقية قديمة، كاحتياطي يضمن اجراء التغييرات والإصلاحات الضرورية لجودة المشروع، ولكن على العكس من ذلك، بعد استلام المشروع واكتشاف الاختلالات الكبيرة وتعدد أوجه الفشل، لم تتوفر الموارد المطلوبة لإصلاحه بسبب اختفاء أو تبديد الموارد المبرمجة لذلك في الاتفاقية.
وقد يفسر هذا وجود طلب موجه إلى الصندوق السعودي لتمويل ملحق إضافي (avenant)، هو الآن في مراحله الأخيرة، ينتظر موافقة الممول، ربما للتغطية على هذه الاختلالات الخطيرة..
رابعا: ملاحظات ومطالب ختامية
إن هذه المخالفات الواضحة في تمويل المشروع وتنفيذه، إلى جانب التأخير والتجاوزات المالية، تكشف عن وجود فساد ممنهج وإهمال جسيم، أثرا سلباً على الجدوى الاقتصادية للمشروع.
وعليه فإننا نطالب الحكومة بفتح تحقيق عاجل لتتبع مسار الأموال المفقودة، كما نطالبها بنشر نتائج التحقيقات بشكل مفصل لطمأنة الرأي العام وضمان محاسبة المتورطين.
(سنواصل في الجزء الثاني التركيز على مظاهر الفشل الكبير في تنفيذ الأشغال من قبل الشركات المنفذة، والذي حال دون تحقيق الأهداف المنشودة من المشروع).