يقول الكاتب جيسون غيل في تقرير نشره موقع “بلومبيرغ” الأميركي، إنه من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان الوصول إلى ما يُعرف بمناعة القطيع شيئا ممكنا في وقت قريب، حتى في الدول التي شهدت تطعيم نسبة عالية من السكان بلقاحات عالية الفعالية.
هل يمكن القضاء على كوفيد-19؟
يؤكد الكاتب أن الإجابة هي لا، فحتى الوقت الراهن، تم استئصال مرض بشري واحد فقط بشكل تام، وهو الجدري، أي أن عدد الحالات وصل إلى الصفر وبقي كذلك لفترة طويلة دون اتخاذ تدابير مضادة بشكل مستمر لضمان عدم انتشاره مجددا. كان ذلك بفضل لقاح فعال، بالإضافة إلى حقيقة أن البشر هم الثدييات الوحيدة المعرضة بشكل طبيعي للإصابة بفيروس الجدري.
وفيما يتعلق بفيروس كورونا المستجد، وصلت بعض الدول -مثل نيوزيلندا- إلى صفر من الحالات الجديدة لفترات طويلة بفضل عمليات الإغلاق والكشف عن حالات الإصابة والعزل وإغلاق الحدود.
لكن الحفاظ على هذا الأمر على المدى الطويل يمثل تحديًا صعبا، لأن ظهور سلالات أكثر انتشارا يؤدي إلى تدابير صحية واجتماعية أكثر صرامة، في ظل رغبة الناس في العودة إلى الحياة الطبيعية.
هل ستقضي اللقاحات على كوفيد-19؟
هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن فعالية اللقاحات، وتؤكد إحدى الأوراق العلمية أنه إذا كان اللقاح يوفر حماية كاملة مدى الحياة ضد الإصابة بفيروس سارس-كوف-2، سنحتاج إلى تطعيم 60% إلى 72% من الناس لتحقيق مناعة القطيع. ولكن إذا كان اللقاح فعالاً بنسبة 80% فقط في الوقاية من العدوى، فإننا نحتاج إلى تطعيم ما بين 75% إلى 90% من الناس، وهو معدل مرتفع.
ويضيف الكاتب أنه قد ثبت أن لقاحات كوفيد-19 المستخدمة حاليا توفر حماية بنسبة تتراوح بين 50% و97% من الإصابة بالمرض، ولكن من غير المعروف في الغالب مدى نجاحها في الحماية من انتقال العدوى من شخص إلى آخر.
وخلصت دراسة غير منشورة أجراها باحثون من شركة “فايزر”، تتبعوا عددا من المتطوعين الحاصلين على اللقاح لمدة تصل إلى 6 أشهر، إلى تراجع تدريجي في فعالية اللقاح ضد العدوى المصحوبة بأعراض، لكنهم وجدوا أن لقاح فايزر بقي “فعالا للغاية” بشكل عام.
كيف تؤثر السلالات الجديدة؟
كلما زاد انتشار فيروس كورونا، زادت فرصة تحوره بطرق تعزز قدرته على مقاومة المناعة التي اكتسبها الأشخاص الحاصلون على اللقاح. على امتداد العام الماضي، انتشرت مثل هذه السلالات عالميا مما أدى إلى ارتفاع حالات الإصابة الجديدة وحالات دخول المستشفى.
وقد أظهرت دراسات أُجريت في المملكة المتحدة أن متحور دلتا أكثر مقاومة للقاحات مقارنة بمتحوّر ألفا الذي ظهر في إنجلترا أواخر عام 2020، لا سيما لدى الأشخاص الذين تلقوا جرعتين من اللقاح.
ويعني هذا الأمر -حسب الكاتب- أنه يجب تطعيم نسبة أعلى من الناس للوصول إلى مناعة القطيع. ويقول العلماء إن اللقاحات ستستمر في العمل على وقف تطور الحالات الأكثر خطورة، ولكن بعض اللقاحات قد تكون أقل فعالية في الحماية من الأعراض الخفيفة.
وقد يتطلب ذلك تحديث اللقاحات بشكل دوري للحفاظ على فعاليتها، وهذا ما يجعل عدة دول تخطط لإطلاق جرعات إضافية أو “معززة”، رغم أن منظمة الصحة العالمية دعت إلى تعليق هذه العملية حتى نهاية شهر سبتمبر/أيلول القادم على أقل تقدير لتمكين البلدان الفقيرة من اللحاق بالركب فيما يتعلق بمعدلات التطعيم.
لماذا يعتبر متحور دلتا الأكثر خطورة؟
ثبت أن اللقاحات تقلل من تركيز جزيئات الفيروس -أو الأحمال الفيروسية- داخل الشعب الهوائية للمصابين، مما يقلل من احتمال نقل العدوى إلى الآخرين.
مع ذلك، يرتبط متحور دلتا بأحمال فيروسية تزيد بأكثر من 1200 مرة من سلالة فيروس كورونا المستجد الأصلية، وهو ما يجعله أكثر انتشارا.
ولعل ذلك ما يفسّر تفشي الوباء بشكل كبير في عدة مناطق من العالم، وقد أوصت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها مؤخرا بارتداء الأقنعة من جديد. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أواخر يوليو/تموز أن سلالة دلتا أكثر قدرة على تقويض المناعة التي يمنحها اللقاح، وأنها تسبب أعراضا أكثر شدّة من جميع أشكال الفيروس الأخرى.
هل يجب أن تمنع لقاحات كوفيد-19 العدوى للحد من انتشار الفيروس؟
ليس من الضروري أن تكون اللقاحات مثالية لتحقيق فائدة عامة، لكن من المتوقع أن يكون الجيل الجديد من اللقاحات أفضل في منع انتقال العدوى. ويقترح مايك رايان، رئيس برنامج الطوارئ بمنظمة الصحة العالمية، أنه بدلا من التركيز على القضاء على المرض، فإنه من الأفضل “تقليل قدرة الفيروس على قتل مرضاه، وتقليص حالات الدخول إلى المستشفيات، والحد من تدمير حياتنا الاقتصادية والاجتماعية”.
ماذا لو لم نتمكّن من القضاء على كوفيد-19؟
في استطلاع أجرته مجلة “نيتشر” في يناير/كانون الثاني الماضي لآراء أكثر من 100 عالم، قال ما يقارب 90% إنهم يتوقعون أن يصبح كوفيد-19 فيروسا مستوطنا. تنتشر الفيروسات المستوطنة بشكل مستمر، وغالبا ما تتسبب في حدوث طفرات دورية عندما تكون الظروف مواتية لانتقال العدوى.
ما التبعات المستقبلية؟
من المحتمل أن يتمتع الأشخاص الذين نجوا من كوفيد-19 والذين تم تطعيمهم ضده، بدرجة من المناعة لبعض الوقت. ويقول باحثون في المملكة المتحدة إنه من الممكن -مع تضاؤل المناعة تدريجيًا- إصابة المزيد من الأفراد الملقحين بالعدوى، لكن جهاز المناعة سيتحكم بسرعة في الفيروس ويمنع ظهور الأعراض الحادة.
ويتوقع بعض العلماء أنه بمجرد الوصول إلى مرحلة الاستيطان، سيحدث التعرض الأولي للفيروس في مرحلة الطفولة، وتسبب العدوى في الغالب مرضا خفيفًا أو قد لا تسبب أي أعراض. وفي تلك المرحلة، سيُنظر إلى كوفيد-19 إلى حد كبير على أنه مجرّد نزلة برد.
المصدر : بلومبيرغ