كلام واقعي عن أداء وزير الداخلية الموريتاني ضد المهاجرين غير الشرعيين… ورسالة إلى الدولة موقع الهضاب بقلم الشيخ ماء العينين اكليب

في الأسابيع الأخيرة، أعاد الحديث عن التدابير الأمنية التي اتخذتها وزارة الداخلية الموريتانية بحق المهاجرين غير الشرعيين إلى الواجهة جدلاً عميقًا حول أولويات الدولة وصدقية خطابها، وليس فقط حول شخص الوزير ذاته. ما نراه ليس مجرد أداء فردي، بل انعكاس لتراكم خلل مؤسسي في إدارة الدولة، حيث تنبع المشكلة من هيكلية التعيينات الإدارية والسياسية نفسها.

التصدّي للمهاجرين: من الحقوق إلى جدل إنساني

لا يمكن إنكار أن إدارة ملف الهجرة تشكل تحديًا مركبًا للدولة الموريتانية. وفق تقارير منظمات حقوقية، ضاعفت السلطات الحملة الأمنية، خاصة في مدن مثل نواكشوط ونواذيبو، من خلال اعتقالات جماعية وترحيلات قاسية.
من جهة أخرى، يؤكد وزير الداخلية أن الدولة تعمل “بما يحترم الكرامة الإنسانية” أثناء عمليات الترحيل.
لكن هذا التبرير لا يرقى عند كثيرين إلى مستوى طمأنة الرأي العام، خاصة مع ما ورد من إفادات حول ظروف احتجاز قاسية، وابتزاز من بعض أفراد الشرطة، وحتى تفكيك أبواب المساكن بالقوة.

هذه السياسة الأمنية الضاغطة تأتي أيضًا في سياق اتفاقية بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي بقيمة 210 مليون يورو، تهدف إلى تعزيز السيطرة على الحدود وتقليص الهجرة غير النظامية.
لكن كثيرًا من المراقبين الحقوقيين يرون في هذه الشراكة “تصديرًا لسياسات الحدود” وتهديدًا للكرامة، مؤكدين أن ما يحدث اليوم قد يعيد إلى الأذهان فصولًا مؤلمة من تاريخ التمييز الداخلي داخل موريتانيا.

جذور المشكلة: الدولة مرتبطة بشخص وليس بهيكل

النقد الموجه إلى وزير الداخلية محق في جزئه، لكن ما ينبغي أن نحترس منه هو اختزال مؤسسات الدولة في شخصية واحدة. فالمشكلة لا تنتهي بتغيير الوزير، إذا بقيت الدولة نفسها تدار بمنطق سياسي محض:

1. غياب المسار المهني للدولة
كما ذكرت، لا بد أن تكون هناك رؤية واضحة لمسار الموظف العمومي، خاصة في الوزارات الحساسة مثل الداخلية والتعليم، بحيث لا تُدار التعيينات فقط بناءً على الولاء السياسي، بل على الكفاءة والخبرة.

2. خلط بين المناصب السياسية والإدارية
من غير المنطقي أن يكون كل منصب قيادي رفيع مرتبطًا سياسيًا وليس مهنيًا. الدولة القوية تحتاج إلى نوع من الفصل: المناصب السياسية لخدمة التوجهات الحكومية، والمناصب الإدارية لموظفين لديهم مسار وظيفي واضح واستقلال أكبر.

3. بنية الترقيات الإدارية
النموذج الذي اقترحته في وزارة التربية هو نموذج جدير بالدراسة: ترقية الأساتذة بعد عدد من السنوات إلى مدير دروس، ثم إلى مدير المدرسة، نائب مدير جهوي، مدير جهوي، وهكذا. هذا النوع من المسارات يمنح الأمان الوظيفي للموظف ويزيد من كفاءته، بدلاً من ترك الترقيات لمن “أصحاب النفوذ”.

نفس المنطق يجب أن يُطبّق في وزارة الداخلية: الموظف في الجهاز الأمني يجب أن يرى أمامه أفقًا، ليس فقط مكافآت مالية، بل منصبًا أعلى، ومهامًا أكثر مسؤولية، حتى لا يكون العمل محصورًا في تسيير سياسي أو ضغوط فورية.

ستظل الدولة رهينة سياسيين وتجار: كما قلت، التجار يُمكنون من السياسيين، والسياسيون قد يستخدمون النفوذ لمكاسب تجارية أو شخصية، على حساب المصلحة العامة.

لا يوجد استدامة: تغيير وزير أو إعلان حملة إعلامية مؤقتة لا يحل المشكلة إذا لم يُغير نظام التوظيف نفسه.

انعكاس سلبي على الشفافية والثقة: المواطن يرى أن الدولة تتحرك بناءً على علاقات أكثر من بناء مؤسسي، مما قد يضعف الثقة في الحكومة، خاصة في قضايا حساسة مثل الهجرة والعدالة الاجتماعية.
ما نحتاجه اليوم، أكثر من مجرد سجال حول وزير داخليّة، هو رؤية شاملة لإصلاح الدولة. بعض النقاط التي أرى أنها ضرورية:

1. إنشاء لائحة الترقيات المهنية في كل الوزارات، تضمن مسارات واضحة للموظفين من دون ربط كل منصب إداري بالتعيين السياسي.

2. فصل واضح بين المناصب السياسية والمناصب الإدارية، بحيث لا يكون التعيين الإداري مجرد شأن سياسي.

3. مراجعة دور الأمن والهجرة: ينبغي أن تقوم الحكومة بموازنة بين الحاجة للأمن وحماية حقوق الإنسان، بدلاً من اعتماد نظام ترحيل يثير تخوفات واسعة.

4. مشاركة المجتمع المدني: منظمات حقوق الإنسان، الإعلام، المعارضة السياسية كلها يجب أن تساهم في الرقابة على هذه السياسات الأمنية، لضمان أن تكون القرارات في صالح الدولة والمواطن وليس لمصالح قصيرة الأجل.

نعم، الانتقاد الموجه لوزير الداخلية بشأن حملاته ضد المهاجرين غير الشرعيين يبدو واقعيًا، لكن ما يهم حقًا هو أن تكون الدولة أقل ارتباطًا بشخص واحد وأكثر ارتباطًا بمؤسسة قوية ومستقرة. إذا اعتمدنا مسارات وظيفية واضحة في الوزارات، وميزنا بين السياسة والإدارة، ووفرنا شروطًا للترقية الحقيقية، سنكون في طريق بناء دولة أكثر عدالة وكفاءة.

بدون ذلك، سيبقى التغيير مؤقتًا، وقد ننتظر كثيرًا حتى “يأتي من يصنع المعجزة” – ونحن بحاجة إلى دولة تعمل بالمعجزات الدائمة، مبنية على النظام لا العلاقات.

شاهد أيضاً

غزواني يغادر إلى لواندا للمشاركة في قمة أوروبية إفريقية

   غادر الرئيس محمد ولد الغزواني نواكشوط صباح اليوم الأحد متوجها إلى العاصمة الأنغولية لواندا، …