
نشرت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) تقريرًا إنسانيا بعنوان «العائلات الموريتانية تحاول إعادة بناء حياتها بين الفيضانات والجفاف»، سلط الضوء على قصص واقعية من مناطق مختلفة في موريتانيا، حيث يكافح السكان للتكيّف مع التغيرات المناخية القاسية التي تضرب البلاد.
كاديا… من المأساة إلى المبادرة
في بلدة وومبو الواقعة في ولاية كيديماغا جنوبي موريتانيا، تقف كاديا وسط أطلال منزلها الذي دمرته فيضانات أكتوبر 2024. لم تمهلها السيول سوى دقائق معدودة للنجاة. تقول بأسى:
“فقدنا كل شيء في ساعات، لكن كان علينا أن نسأل أنفسنا: ماذا بعد؟”
تقرير المنظمة الدولية للهجرة يروي كيف تحولت كاديا من ضحية إلى قائدةٍ محلية. فقد أسست مع نساء قريتها تعاونيات للادخار والزراعة الجماعية، وغرست فيهن روح الصمود، مؤكدة:
“كنا ننتظر المساعدة، أما اليوم فنحن من نصنعها.”
من خلال هذه المبادرات البسيطة، تعلمت النساء تخزين المياه، وحفظ الطعام، وزراعة الأشجار المقاومة للجفاف، مما أعاد لهنّ الأمل والقدرة على مواجهة المستقبل.
مختار… دروس الأرض
في المنطقة نفسها، يسير المزارع مختار في حقله، يتفقد البراعم التي بدأت تخرج من التربة بعد أن جرفت السيول منزله ومحاصيله العام الماضي.
“عندما جاءت المياه، لم نتمكن من إنقاذ شيء، بدأنا من الصفر.”
اليوم، يزرع مختار الذرة والدخن باستخدام بذور مقاومة للجفاف، ويتعاون مع جيرانه لبناء حواجز طبيعية لمكافحة التعرية.
ويقول بثقة:
“حين نعتني بالأرض، تردّ لنا الجميل.”
تصف المنظمة هذه الجهود بأنها نماذج محلية للصمود الذكي أمام المناخ، تُعيد تعريف علاقة الإنسان ببيئته في بلدٍ يُعدّ أكثر من 80٪ من مساحته صحراء قاحلة.
مريم… متجر صغير يعيد الحياة
في موقعٍ للنازحين بمدينة وومبو، قررت مريم، التي فقدت منزلها في الفيضانات، أن تواجه المأساة بطريقة مختلفة. أنشأت متجرًا صغيرًا من الخشب والطين، تبيع فيه مواد أساسية مثل الأرز والزيت والصابون.
تحوّل متجرها سريعًا إلى نقطة التقاءٍ اجتماعية للنازحين، يتبادلون فيه الأخبار ويستعينون ببعضهم في الأوقات الصعبة.
“حتى ونحن نازحون، لسنا بلا قوة. يمكننا أن نستعيد كرامتنا بمساعدة بعضنا البعض.”
من خلال هذا المتجر، تؤمّن مريم تعليم أطفالها وتمنح مجتمعها الصغير شعورًا بالاستقرار والانتماء.
مواجهة المناخ بالإرادة
بعد الكارثة، قدمت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) دعمًا عاجلًا للأسر المتضررة عبر مساعداتٍ للإيواء وإعادة التوطين، وساهمت في بناء منازل أكثر أمانًا.
لكن كما تقول كاديا:
“الفيضانات أخذت منازلنا، لكنها لم تأخذ عزيمتنا.”
هذه القصص – كما يوضح التقرير – تعكس تحولًا عميقًا في المجتمعات الموريتانية الريفية التي لم تعد تنتظر المساعدة الخارجية، بل بدأت تبني قدراتها الذاتية للتأقلم مع واقعٍ مناخي متقلب.
الهضاب إنفو موقع إخباري مستقل