قد يبدو العنوان غريبا، وقد يتساءل قارئه – وله الحق في ذلك – كيف تكون للصمت قوة وهو – عند غير الأصوليين – تركٌ لا فعلٌ؟ وكيف يكون له صوت وهو بالتعريف عكس النطق والكلام اللذَين ترتبط بهما الأصوات عادة؟

فعن قوة الصمت، ما زلت أتذكر مقابلة تلفزيونية، أجراها صحفيان بارزان مع الرئيس الفرنسي السابق “جيسكار دَسْتَيْن”، سألاه فيها عن موضوع كان مثار جدل في تلك الفترة، يتعلق بقطعة من الماس، يُزعم أنه تلقاها هدية من زعيم جمهورية أو أمبراطورية أفريقيا الوسطى حينها “جانْ بيدل بوكاسا” … استمَع “جيسكار” جيدا للصحفيَينِ حتى انتهيا من طرح أسئلتهما، وقال : هل ما زالت عندكما تساؤلات بخصوص هذا الموضوع؟ فلما فهم منها أن لا تساؤلَ إضافياً، أجاب بما معناه : لم أعَلق قط على هذا الموضوع لأن لي فكرة ما عن المنصب الذي أشغله، وبخصوص الجواب عليه، فإني أنفيه تماما وبكل اشمئزاز …

عندها، استوضحه الصحفيان عن سبب صمته طوال هذه المدة، فقدَّم جوابا له من الدلالة ما له في موضوع قوة الصمت هذا، لقد أجاب “جيسكار” بعبارة خالدة هي : لقد تركت سفاسفَ الأمور تموت، وبِسُمِّها الخاص” …

أما بخصوص “صوت الصمت”، فهو مصطلح جميل ربما استخدمه الأدباء وذوو الخواطر والإحساس عن تلك المواقف المشحونة بالمشاعر والوجدان، بحيث تكاد تنطق كلاما أو تعزف ألحانا، خصوصا عند استخضار الذكريات، وفي مواقف الأسقام والأشواق، وحين مناجاة المعاهد والديار، ومِن ذلك يقولون “إن تعاقب الليل والنهار مزاميرُ صامتة !” … ويقول الكاتب الصحفي الأديب الأخ/ محمد فال (بدَّال) بن سيدي مَيلَه في خاتمة مقال كتبه عن جولة في أماكن مختلفة من منطقة اترارزة : “كل هذه الديار الدوارس، وغيرها من مرابع يعجز عن سردها المقام، تشكل جزءا من تاريخنا الأدبي، كما يشكل صمتها المطلق رناتٍ ونُوتاتٍ عذبةً تستحق مَشقة السفر لأن في الطبيعة موسيقى لِمَن يستمع جيدا” …

هَذَا الْغَزَالُ الَّذِي بَدْرٌ مُحَيَّاهُ 

قَالَتْ لَنَا الْحَالُ : إِيَّاكُمْ وَإِيَّـاهُ

نَصْبُوا لِلُقْيَاهُ إذْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً 

لُقْـيَا سُرُورٍ عَلَيْنَا قَبْلَ لُقْيَاهُ

فَكَمْ كَتَبْنَا إليْهِ فِي مُرَاسَلَةٍ 

مَا لَفْظُهُ ضَيِّقٌ عَنْ حَمْلِ مَعْنَاهُ

وَمَا كَتَمْنَاهُ مِمَّا لَا نَبُوحُ بِهِ 

أَضْعَاف أَضْعَافِ مَا كُـنَّا كَتَبْنَاهُ

 

عز الدين بن ڭراي بن أحمد يورَ