حين يرفع الشعب صوته مطالبًا بحقوقه، فإنه لا يواجه مجرد سلطة، بل جهازًا مثقلًا بموظفين وصلوا إلى مناصبهم بطرق وضيعة: رشوة تحت الطاولة، هبة من وزير، تملق لحاشية، أو خدمة رخيصة تمثلت في توقيع وثيقة فساد. لا كفاءة، لا استحقاق، فقط شبكة من المحسوبية تُعيد إنتاج نفسها في كل مفصل إداري وسياسي.
هذا النوع من البُنى يُنتج موظفًا لا يرى في المنصب تكليفًا، بل غنيمة، فيغدو الدفاع عنه معركة وجود، ولو على حساب الشعب الذي يُفترض أن يخدمه. وحين تتراكم المظالم، وحين يُحرم الموظف المجتهد من حقه في التدرج المهني لأن الترقية أصبحت وقفًا على الولاء الأعمى، عندها تُزرع بذور الغضب في الشارع.
في لحظات الذروة، حين يخرج الشعب للتعبير عن سخطه، كما حدث في المغرب أو كما يحدث في دول أخرى تُعيد إنتاج نفس المعادلة، يجد نفسه أمام جهاز إداري وأمني مشكل على هيئة “جيش من المرتزقة”. أولئك الذين أغدقت عليهم الامتيازات، لا يدافعون عن دولة ولا عن مؤسسات، بل عن مصالحهم الشخصية ومكاسبهم الموروثة من شبكة فساد.
وهكذا، بدل أن تكون الدولة محمية بجهاز إداري مهني شفاف، تصبح مرتهنة لشبكة من المتسلقين الذين يرون في كل صرخة شعبية خطرًا داهمًا على امتيازاتهم. النتيجة: قمع، تعسف، وجراح مفتوحة في جسد المجتمع.
إن السلطة التي لا تحمي المسار الوظيفي للموظف الشريف، وتغلق أبواب الترقي أمام الكفاءات، وتفتحها للمتملقين والفاسدين، إنما تبني لنفسها مقصلة مؤجلة. فحين يُحرم الشعب من العدالة في مؤسساته، لا يجد إلا الشارع ميدانًا للتعبير، وحينها لا يعود أحد قادرًا على التحكم في مسار الغضب.
المطلوب إذن: إعادة بناء الإدارة على أساس الاستحقاق، لا الولاء. فبغير ذلك، سنظل ندور في حلقة فسادٍ لا تنكسر إلا بثمن باهظ تدفعه الأمة كلها.