في مشاهد أفلام الرعب، تطالعنا جماجم على أجساد متحركة، لكن في وزارة التربية بموريتانيا نجد الصورة مقلوبة تمامًا: جماجم على أجساد ساكنة، جمود أصحابها في المناصب يوازي جمود السياسات والقرارات.
لقد تحولت الوزارة إلى ما يشبه مقبرة إدارية، حيث تُحرس المناصب العليا من قِبل قلة ضيقة لا تسمح بمرور نسمة تجديد أو فرصة للكفاءات الشابة. الزمن هنا متوقف، والأسماء نفسها تتكرر منذ سنوات طويلة، وكأنها أضرحة ثابتة في مكانها، لا تبالي بمرور الأجيال.
من قاد التعليم إلى هذا الطريق المسدود. تشريعات مغلقة، قرارات لا ترى أبعد من مصالح ضيقة، وإجراءات عقيمة تحصر مستقبل المدرسة الوطنية في يد نخبة ترفض المغادرة. حتى إعلانكم الأخير عن اختيار مديري المدارس جاء ليكرّس هذا المنطق المرهق: لكي تكون مديرًا لا بد أن تكون مديرًا من قبل! عقلية دائرية تحكم على القطاع بالتكرار، وتغلق الباب أمام أي دماء جديدة.
الأخطر أن التعليم يُدار اليوم بعقول زمنها متوقف، لا تتغير ولا تعرف انتهاء الصلاحية. المناصب لهم، والقوانين قوانينهم، أما الأستاذ في الميدان فمجرد تابع في منظومة لا تعترف بكفاءته ولا تفتح له باب الترقية. بل إن بعض هؤلاء بعد تقاعدهم لا يغادرون المشهد، بل يحتكرون الألقاب ويمنحونها لأنفسهم، وكأن الوزارة حديقة خاصة بملكيتهم.
في هذه الظروف، لم يعد الهدف الإصلاح ولا تكوين قيادات جديدة، بل أصبح تكريسًا للاحتكار وتعطيلًا للحراك الطبيعي داخل المؤسسة. النتيجة واضحة: قطاع مترهل، مناصب عليا مشغولة بوجوه أشبه بـ”الأضرحة”، لا تقدم ولا تضيف، بل تكتفي بالمزايا والجلوس على أنقاض المدرسة الوطنية.
إن الإصلاح الحقيقي لا يكون بالخطابات ولا بالشعارات، وإنما بكسر هذه الحلقة المفرغة، وفتح الأبواب أمام الطاقات الجديدة. الخبرة ينبغي أن تكون جسرًا لنقل التجربة، لا جدارًا يحجب المستقبل. فما لم يغادر الجمود مقاعد القيادة، سيظل قدرنا تربيةً متحجرة، محكومة بعقلية “البقاء للأبد” بدل عقلية الإصلاح والتجديد.