في خطوة استراتيجية تحمل أبعادا اقتصادية واجتماعية وبيئية، أشرف معالي وزير الصيد والبنى التحتية البحرية والمينائية، السيد الفضيل ولد سيداتي ولد أحمد لولي، ووزير تمكين الشباب والتشغيل والرياضة والخدمة المدنية، السيد محمد عبد الله ولد لولي، يوم الأربعاء 13 أغسطس 2025، بمركز امحيجرات الإداري بولاية إنشيري، على تخرج الدفعة الأولى من صيادي الأخطبوط، والتي ضمت 140 شابًا، وإطلاق تدريب 200 آخرين، ضمن برنامج يهدف إلى تكوين وإدماج 1000 شاب في قطاع الصيد التقليدي.
الحدث، الذي يجمع بين رمزية المكان ونوعية التكوين، يمثل أكثر من مجرد نشاط ميداني، بل يعكس تحولًا في طريقة تعاطي الدولة مع التحديات الثلاثية: البطالة، استنزاف الثروات البحرية، وانعدام التكوين المتخصص في أحد أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد.
لقد اعتمد البرنامج، الذي يُشرف عليه مركز التأهيل والتكوين على حرف الصيد التابع للأكاديمية البحرية، على تقنيات حديثة وانتقائية في صيد الأخطبوط، بما يضمن حماية المخزون البيولوجي وتفادي الصيد العشوائي. ويُعد ذلك استجابة مباشرة لمطالب المهنيين وخبراء البيئة الذين طالما حذروا من مخاطر الاستنزاف غير المنظم للثروة البحرية.
وفي كلمته بالمناسبة، وصف وزير الصيد البرنامج بأنه “خيار استراتيجي”، لا يهدف فقط إلى توظيف الشباب، بل إلى إعادة هيكلة قطاع الصيد التقليدي، عبر إدخال تقنيات تحترم البيئة البحرية وتضمن استدامة المخزون.
من جانبه، أكد وزير تمكين الشباب أن المشروع يُجسد رؤية رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، في وضع تشغيل الشباب على رأس أولويات الحكومة، عبر مشاريع ملموسة ميدانيا، وليست مجرد وعود موسمية.
ويأتي هذا البرنامج ثمرة تنسيق ثلاثي بين الوزارات المعنية، والقطاع الخاص، والهيئات الداعمة، وعلى رأسها البنك الدولي، الممول لمشروع قابلية تشغيل الشباب.
وتمت صياغة هذا التوجه بناء على دراسات ميدانية وتجارب سابقة، لضمان فعالية التنفيذ وربط التكوين بفرص الاندماج الحقيقية في السوق.
ولا يخفي القائمون على المشروع طموحهم بأن يشكل هؤلاء الصيادون نموذجا يحتذى به في قطاع الصيد، في بلد يمتلك واحدة من أغنى السواحل البحرية في غرب إفريقيا.
كما أُبرمت اتفاقية إطار بين الأكاديمية البحرية والمعهد الوطني لترقية التكوين الفني والمهني، تهدف إلى توسيع التكوين ليشمل 1000 صياد كمرحلة أولى، على أن تتبعها مراحل أخرى مستقبلا.
وبهدف ضمان نجاح عملية الإدماج، تم تشكيل لجنة تضم ممثلين عن الوزارات والاتحاديات المهنية، لتواكب الشباب ميدانيا، وتذلل العقبات التي قد تعترض طريقهم، سواء في التكوين أو في دخولهم سوق العمل.
ورغم الإشادة الواسعة بالمبادرة، تبقى تحديات الاستدامة والتمويل والدعم الميداني قائمة. فالسؤال المطروح أجابت عليه الدولة بعزمها توفير البنية التحتية اللازمة لاحتضان هذه الطاقات الجديدة، حيث سيتمكن الصيادون الجدد من النفاذ إلى وسائل الإنتاج، وإيجاد منافذ تسويق عادلة لإنتاجهم.
وتعمل الحكومة على أن يتجاوز البرنامج مرحلة التكوين النظري، نحو تمكين فعلي لهؤلاء الشباب من خلق مشاريعهم الذاتية، أو الانخراط في تعاونيات مهنية منظمة، وهو ما سيشفع بدعم لوجستي ومالي مستمر.
ويمثل هذا المشروع خطوة مهمة على طريق تنمية قطاع الصيد التقليدي، ليس فقط من حيث تشغيل الشباب، بل أيضا من حيث ترسيخ الوعي البيئي، والالتزام بالتقنيات المستدامة، في بلد يعتمد اقتصاده بشكل كبير على ثروته البحرية.
ويبقى الرهان الحقيقي اليوم هو قدرة هؤلاء الشباب على التحول من مستفيدين من برامج تدريبية، إلى فاعلين اقتصاديين منتجين، يسهمون في بناء اقتصاد وطني أكثر توازنا واستدامة.