في خطوة مفاجئة من حيث التوقيت، ومتوقعة في مضمونها، أعلن رئيس كوت ديفوار، الحسن واتارا (83 عاماً)، عزمه الترشح لولاية رئاسية رابعة، بعد أشهر من الصمت والمراوغة السياسية التي اتسمت بالغموض والتشويق.

زوال الثلاثاء، خرج واتارا بخطاب موجّه إلى الشعب الإيفواري من حديقة القصر الرئاسي في حي بلاتو بالعاصمة أبيدجان، معلناً قراره الترشح للانتخابات المقبلة. الخطاب لم يُعلن عنه مسبقاً على قنواته الرسمية في وسائل التواصل الاجتماعي، إلا قبل دقائق من موعده، ولم تتسرب أي معلومات بشأنه إلى وسائل الإعلام، ما زاد من عنصر المفاجأة.

وكان من المنتظر أن يعلن واتارا عن موقفه خلال خطابه التقليدي بمناسبة عيد الاستقلال في السادس من أغسطس، لكن قراره جاء مبكراً.

وقال واتارا في خطابه: “اتخذت قراري بعد تفكير عميق، واستجابة لمطالب فئة واسعة من الشعب الإيفواري، وبما أن الدستور يمنحني الحق في الترشح لولاية جديدة”.

وبرّر قراره بأنه لا يزال في “كامل لياقته البدنية”، مشيراً إلى أن البلاد تواجه تحديات أمنية واقتصادية غير مسبوقة، تستدعي، بحسب تعبيره، “قيادة ذات خبرة لتوجيه كوت ديفوار نحو بر الأمان”.

ورغم إشارته السابقة إلى نيته تسليم السلطة لخلفه وعدم البقاء فيها طويلاً، أوضح واتارا أن “الوصول إلى الحكم يكشف الكثير من الحقائق التي تغيّر القناعات”، في محاولة لتبرير تراجعه عن وعود سابقة.

معارضة ترفض وتحذر

إعلان واتارا الترشح قوبل برفض واسع من المعارضة. رئيس الحزب الديمقراطي الإيفواري – التكتل الديمقراطي الإفريقي، تيجان تيام، وصف قرار واتارا بأنه “خرق للدستور وانتهاك للديمقراطية”.

وقال تيام، أحد أبرز وجوه المعارضة: “ليس من باب الصدفة أن يتزامن هذا الإعلان مع منع السلطات مظاهرات سلمية ضد التراجع الديمقراطي في البلاد”.

من جانبه، علّق رئيس الجمعية الوطنية الأسبق، غيوم سورو، الذي يعيش في المنفى، قائلاً إن واتارا “لا يريد التخلي عن السلطة”، واصفاً إياه في منشور عبر منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي بأنه “دكتاتور يفعل كل ما في وسعه للبقاء في الحكم”.

وحذر سورو من مغبّة تجاوز قواعد اللعبة الديمقراطية، قائلاً إن “الماضي القريب يذكرنا بكيفية تسبب مثل هذه الممارسات في موجات عنف دامية”، داعياً الشعب الإيفواري إلى “رفض الدكتاتورية والدفاع عن الدستور”.

غياب الخصوم الكبار

في السباق الرئاسي المنتظر في 25 أكتوبر، لن يواجه واتارا أسماء ثقيلة من رموز السياسة التقليدية. فالرئيس الأسبق لوران غباغبو مُنع من الترشح بسبب حرمانه من حقوقه المدنية، فيما يواجه تيجان تيام وضعاً قانونياً مشابهاً بسبب شكوك تحوم حول جنسيته، رغم كونه يُعتبر الوريث السياسي للرئيس المؤسس فيليكس هوفوي بوانيي.

ورغم تشكيل عدد من أحزاب المعارضة لتحالفات انتخابية، إلا أنها لم تتفق بعد على مرشح مشترك قادر على منافسة واتارا.

رهان على النفط والتنمية

منذ وصوله إلى السلطة عام 2011، بعد انتخابات تلتها أربعة أشهر من العنف أودت بحياة أكثر من 3,000 شخص وخلّفت بلداً منقسماً، يرفع الحسن واتارا شعار “مواصلة مسار التنمية” وتسليم السلطة إلى “جيل الشباب” — وهو وعد سبق أن قطعه خلال انتخابات 2020، قبل أن يتراجع عنه.

وتعوّل كوت ديفوار على اكتشافات كبيرة في مجالي الغاز والنفط، مع دخول المرحلة الثانية من حقل “بالين” الإنتاج في أوائل عام 2025، بإجمالي 50 ألف برميل نفط يومياً، و60 مليون قدم مكعب من الغاز. وتطمح الحكومة إلى رفع الإنتاج إلى 200 ألف برميل يومياً بحلول 2027.

واتارا، أول شخصية إفريقية تتبوأ منصب نائب مدير عام صندوق النقد الدولي، يقول إن البلاد تحتاج إلى الاستمرار في ما يسميه أنصاره “مسلسل التنمية”. لكن معارضيه يرون أن هذا المسار لا يخدم سوى “نخبة ضيقة”، بينما يعيش جزء كبير من الشعب الإيفواري أوضاعاً صعبة تتسم بارتفاع الأسعار، ضعف الخدمات، وانعدام الأمل لدى فئات واسعة من الشباب.