في أي منطقٍ سياسي أو أخلاقي أو إنساني، يمكن أن يُفسَّر هذا التناقض الصارخ بين الثروة الهائلة في باطن الأرض والفقر المدقع فوقها؟
كيف يمكن لدولة تدّعي السيادة والرعاية أن تتواطأ بالصمت أمام حرمان آلاف المواطنين من أبسط الحقوق، في حين تُجنى المليارات من باطن ترابهم؟
إن ما يجري في أكجوجت لا يُعدّ مجرد إخفاق في السياسات العامة، بل هو فضيحة أخلاقية وتنموية، تضع الدولة الموريتانية وشركات التعدين أمام مساءلة تاريخية.
في قلب صحراء موريتانيا، تقع أكجوجت، عاصمة ولاية إنشيري، فوق واحد من أغنى المناجم في البلاد، حيث تُستخرج سنويًا عشرات الأطنان من الذهب والنحاس.
ورغم ذلك، يعيش سكانها في واقع لا يليق بكرامة الإنسان:
عطش دائم في ظل غياب شبكة مياه فعّالة،
انقطاع متكرر للكهرباء رغم قرب محطات الإنتاج،
فقر مدقع يعاني منه أكثر من 90٪ من السكان.
هل يُعقل أن تفشل وزارة المياه في ضمان الحد الأدنى من حقّ دستوري هو الوصول إلى الماء الصالح للشرب؟
أكجوجت لا تقع في غابة معزولة، بل هي نقطة استراتيجية، وأقرب مدينة إلى مناجم تازيازت، حيث يُستخرج كثير من طنًا من الذهب سنويًا، وتُحقّق الشركة أرباحًا تُقدّر بمئات الملايين من الدولارات.
ومع ذلك، لم تبنِ الشركة مدرسة واحدة بمواصفات محترمة، ولا مستشفى عامًا يخدم سكان المدينة.
ولم تُوفّر منحًا دراسية لأبناء أكجوجت للدراسة في الخارج، على الرغم من أن الأرض التي تُدرّ عليها هذه الثروات هي أرضهم، والعمالة المحلية تُستخدم فقط في الوظائف الدنيا، دون تأهيل أو استثمار حقيقي في مستقبلهم.
من غير المقبول أن تكتفي الدولة بدور “الشريك الصامت” في اتفاقيات التعدين، دون أن تُحمّل الشركات مسؤولية اجتماعية حقيقية.
إن الثروة من دون عدالة، والتعدين من دون تنمية، والشراكة من دون مساءلة… ليست سوى وجه آخر للنهب والاستعمار المُقنّع