ركزت أغلب مداخلات نواب البرلمان الموريتاني، اليوم السبت، بحضور الوزير الأول محمد ولد بلال وأعضاء الحكومة، على مواضيع تتعلق بمحاربة الفساد وغلاء المعيشة، ما بين معارضة تصف حصيلة الحكومة بأنها “مخيبة”، وأغلبية تدافع عنها وترفض ما سمته بـ “المزايدة”.
وانتهت بعد ساعات من النقاش، المرحلة الأولى من مداخلات النواب، قبل أن يستأنف النقاش في المساء، قبل أن يرد الوزير الأول على مداخلات النواب، ثم يقدم برنامج عمل الحكومة للتصويت.
ضرائب مجحفة
وكان عدد من نواب المعارضة قد ركزوا في مداخلاتهم على ارتفاع الضرائب الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار المجحف بالمواطنين، منتقدين سياسات الحكومة في هذا الاتجاه.
من أبرز هؤلاء، النائب البرلماني عن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعارض إسلك ولد ابهاه، الذي قال إن سياسة الحكومة قائمة على فكرة “الاستثمار المالي من أجل رفع الضرائب على المواطنين”.
وقال ولد ابهاه إن “الحكومة الموريتانية في فترة من الفترات لاحظت أن رجال الأعمال حين يشيدون مصانع، يرفع ذلك الإيرادات الضريبية على مواد هذه المصانع، فقالت الحكومة لماذا ننتظر رجال الأعمال، وأنتجت سياسة جديدة اسمها الاستثمار المالي من أجل رفع الضرائب على المواطن الموريتاني”.
وأضاف مخاطبًا الوزير الأول: “أود أن أهنئكم لأنه إن كانت هنالك جماعة نجحت في طوفان الأقصى، فأنتم نجحتم في طوفان الأسعار وطوفان الغلاء”.
وضرب النائب المثال بمصنع الألبان في النعمة، الذي قال إنه كلف الدولة 15,3 مليون دولار كانت سلفة من بنك صادرات وواردات الهند، وكل سنة تدفع الدولة 700 مليون أوقية للبنك الهندي.
وأوضح النائب: “لا يهم ما سيدخله المصنع، ولكن المهم هو ما سيتيحه من رفع للضرائب والجمركة على الألبان التي يستوردها الشعب الموريتاني”، مشيرًا إلى أن “جمركة اللبن كانت 1,2 مليون أوقية قديمة، وارتفعت إلى 2,2 مليون أوقية، وبالتالي ارتفع سعر علبة اللبن من 250 أوقية قديمة ليصل إلى 300 و350 أوقية قديمة”.
وقال النائب البرلماني عن حزب تواصل المعارض إن الحكومة بعد ذلك استهدفت التمور، مشيرًا إلى أن “جمركة حاوية التمر ارتفعت من 600 ألف أوقية قديمة، ليصل إلى 3,3 مليون، واستثمرنا في شركة جديدة اسمها تمور موريتانيا، لا يهم ما ستنتج ولكن المهم هو أن الحكومة أدخلت المليارات من جمركة التمور القادمة من الخليج وآسيا”.
وخلص النائب البرلماني إلى أنه “قد يقول أحد إن ذلك من أجل حماية المنتوج الوطني، وهذه قضية مهمة، ولكن المنتوج الوطنية لا يحمى بهذا فقط، وإنما بتوفير الطاقة والعملة الصعبة والإعفاءات الضريبية وإعفاء المواد الأولية من الجمركة”.
السياسة الاجتماعية
في نقاشات النواب جرى التركيز على المكونة الاجتماعية من حصيلة عمل الحكومة، حيث انتقد النائب البرلماني المعارض بيرام الداه اعبيد التحويلات النقدية التي تقدمها مندوبية تآزر للمواطنين من الطبقات الهشة.
وقال ولد اعبيد: “ثلثي ميزانية الدولة تأخذونها من المواطنين” على شكل ضرائب، مشيرًا إلى أنها “تقطع من المواطن، ثم تمنح له 40 ألف أوقية قديمة عن طريق تآزر، وتزيدون عليه أسعار جميع المواد الغذائية الضرورية للاستهلاك”.
وانتقد ولد اعبيد بشكل لاذع حصيلة عمل الحكومة وبرنامجها، وقال: “نحن لسنا أطفالا ولا نعبث، ليس هنالك برنامجا للنقاش، ولا أي إنجازات للنقاش”.
إلا أن النائب البرلماني عن حزب الفضيلة منى بنت الدي، ردت بشكل ضمن على مداخلة ولد اعبيد، وقالت إنه “لا شك أن هنالك إنجازات كثيرة في المجال الاجتماعي”، وأضافت أن “التوزيعات الاجتماعية المواد الغذائية والأموال لم تعرف إلا في عهد المرحوم المختار ولد داداه، قبل هذا النظام لم يكن أي أحد يحصل على أي شيء”.
وقالت بنت الدي: “من لا يشكر الناس لا يشكر الله، هذا النظام أمن مائة ألف أسرة ضعيفة، كانت تموت أمام المستشفيات، ومجانية الحالات المستعجلة محل تثمين أيضًا”.
من جانبه قال النائب البرلماني عن حزب الإنصاف الحاكم أحمد جدو الزين إن حجم الإنفاق الاجتماعي منذ 2020 بلغ أكثر من 623 مليار أوقية قديمة “هو أمر غير مسبوق في نفس الفترة من أي نظام سابق”.
وأضاف: “استفادت 1,5 مليون مواطن من برامج تآزر، وخصوصا التحويلات النقدية والمعونات الغذائية والتأمين الصحي”.
لغة الأرقام
ولد الزين في مداخلته استعرض جملة من الأرقام للدفاع عن الحكومة، مشيرًا إلى أن “مؤشر الاكتفاء الذاتي من الأرز ارتفع إلى أكثر من 89 في المائة، وإنتاج الحبوب وصل إلى ما يناهز 542 ألف طن”.
وأضاف ولد الزين أن الحكومة نجحت في تخفيض المديونية الخارجية بمقدار 27 نقطة، لتتراجع من 70 في المائة سنة 2017 إلى 43 في المائة سنة 2020، كما ارتفع حجم الاستثمارات الخارجية من 500 مليون دولار سنة 2019، إلى 1,5 مليار دولار سنة 2022، على حد تعبيره.
وقال إن كتلة أجور العمال ارتفعت من 156 مليار أوقية قديمة سنة 2019 إلى 242 مليار أوقية قديمة سنة 2022، مشيرًا إلى أن “كل ذلك يذهب إلى العمال الذين ينتمون إلى الطبقات الهشة”، على حد وصفه.
وبخصوص البنية التحتية، قال ولد الزين إن الحكومة قامت بـ “إنجاز وإعادة تأهيل 700 كيلومتر من الطرق، وتتقدم الأشغال في 1450 كيلومتر، ويجري العمل في ثلاث جسور تشيد لأول مرة في التاريخ”.
ورفض ولد الزين الانتقادات الموجهة إلى تأخر الأشغال في هذه الجسور، وقال إن الدولة لا تمتلك الخبرة في هذا المجال “لأننا لم نشيد أي جسر منذ 1960، وفي مأمورية فخامة رئيس الجمهورية الأولى ستنتهي ثلاثة جسور أو جسرين على الأقل، والثالث سينتهي في بداية مأموريته الثانية”.
حصيلة مخيبة
رئيس حزب الصواب المعارض عبد السلام ولد حرمه وصف في مداخلته حصيلة عمل الحكومة بأنها “مخيبة لآمال الموريتانيين”، وأضاف أنها لم تتضمن أي شيء عن “الفساد الذي هو أهم قضية عند الموريتانيين اليوم، لأنه ينخر البلد منذ تأسيسه”.
وقال ولد حرمه: “إذا لم تكن لديكم حصيلة في قضية الفساد وآفاق محاربته، لا يمكن أن نتحدث عن حكامة، ولا عن حصيلة معقولة أو مشرفة، والفساد بنوعيه الإداري والمالي، بالإضافة إلى سوء الحكامة التي انعكست على قطاع الخدمات”.
وأكد رئيس حزب الصواب أن قطاع الطرق تضرر من سوء الحكامة، وقال في هذا السياق: “لقد أمضينا خمس سنوات في انتظار الطريق بين بوتلميت وألاك مائة كيلومتر، وحين انتهت بطريقة غير جيدة، أصبحت طريق ألاك مكطع لحجار غير صالحة”.
وأضاف في السياق ذاته: “لقد شيدنا ميناء صرفت عليه الكثير من الأموال بين نجاكو وكرمسين، وعجزنا عن تشييد طريق له”، ثم أكد أن “هذه الحصيلة من سوء الحكامة لا تختلف عن الفساد”.
الغاز الطبيعي
كثير من نواب المعارضة والموالاة تحدثوا عن ملف الغاز، وطالبوا الحكومة بتقديم معلومات دقيقة حوله، خاصة بعد التطورات الأخيرة المتعلقة بتأجيل موعد الإنتاج، وحديث عن سوء العلاقة بين الأطراف المستثمرة في حقل الغاز المشترك بين موريتانيا والسنغال (السلحفاة الكبير آحميم).
وفي هذا السياق قال عبد السلام ولد حرمه مخاطبا الوزير الأول: “القطاع الآخر الذي كان يجب أن تتحدثوا عنه، وتعطوا فيه معلومات لأهل موريتانيا، هو قطاع الثروة وخاصة الغاز”.
وأضاف: “ما قدمتم فيه (الغاز الطبيعي) من تقارير متناقض، فمرة تقولون إنه غير موجود ولن ينتفع منه أي شخص، ومرة تقولون إنه وشيك”.
وخلص إلى التأكيد على أن “ما يحدث في ملف الغاز لا علم لنا به، وما نتطلع له غير واضح لنا”، مشيرًا إلى أن ذلك “ينطبق على الذهب وجميع الثروات”.