في يوم 11 دجمبر 1972 أصدرت رئاسة الجمهورية تعميما يحمل الرقم 32 يأمر الإدارات والمؤسسات العمومية بعدم رفض العروض والطلبات المقدمة إليها باللغة العربية، وكانت اللغة العربية حينها مجرد لغة رسمية ثانية إلى جنب اللغة الفرنسية.
التعميم تم إصداره بعد أن رفضت هيئة البريد والمواصلات استلام وثائق باللغة العربية تقدم بها بعض المواطنين الموريتانيين إلى الهيئة في ذلك الوقت.
هذا التعميم لم يتم إلغاؤه ولا تعديله منذ إصداره في نهاية العام 1972، ويعني ذلك أنه ما زال حتى الآن ساري المفعول قانونيا.
بعد نصف قرن من إصدار هذا التعميم الرئاسي، وبعد المصادقة على دستور 21 يوليو 1991، والذي جعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية الوحيدة في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، بعد هذا كله ما زالت بعض الإدارات العمومية ترفض نهارا جهارا استلام الوثائق المكتوبة باللغة العربية، والتي ينص الدستور الموريتاني على أنها هي اللغة الرسمية الوحيدة للجمهورية الإسلامية الموريتانية!
يتعلق الأمر بلجان إبرام الصفقات العمومية في أغلب، بل وفي كل الوزارات والإدارات العمومية، فهذه اللجان تشترط في إعلاناتها أنها لا تستقبل إلا العروض المقدمة باللغة الفرنسية حصرا.
في هذا الإطار تقدمت مؤسسة “خطوة للاستشارة والتسويق الإعلامي” (شركة خاصة) بطعن بالإلغاء أمام الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا ضد إعلان مناقصة تقدم به الصندوق الوطني للتأمين الصحي، واشترط فيها أن تكون العروض المقدمة باللغة الفرنسية حصرا.
نحن في “الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية” قررنا أن نقدم الدعم القانوني لمؤسسة خطوة في هذا المسار القضائي، ونرجو أن نحصل على قرار مبدئي من المحكمة العليا، وفي حالة الحصول عليه، فإن ذلك سيشكل خطوة مهمة في تعريب إجراءات الصفقات العمومية، بل وفي تعريب الإدارة كلها.
مؤخرا وصلتنا في الحملة شكاوى من بعض المواطنين تتعلق برفض الشباك الموحد (الجهة المكلفة بإجراءات الترخيص للشركات) استقبال ملفاتهم المتعلقة بطلبات ترخيص لتأسيس شركات، وذلك بحجة أنهم أعدوا الوثائق باللغة العربية، ولم يعدوها باللغة الفرنسية، والتي يبدو أنها هي اللغة الرسمية الوحيدة للشباك الموحد في موريتانيا.
هكذا، وبكل استهتار بالقانون، يتم رفض كل الوثائق المقدمة إلى الشباك الموحد التابع لوكالة ترقية الاستثمارات في موريتانيا المعدة باللغة العربية (اللغة الرسمية الوحيدة للجمهورية الإسلامية الموريتانية)، ولا تبرير لذلك الرفض، إلا بالقول بأنه يأتي في إطار تنفيذ الأوامر العليا للقائمين على هذا الشباك الموحد، والتي تأمر العاملين في الاستقبال برفض أي وثيقة غير مكتوبة باللغة الفرنسية.
إن ترسيم اللغة العربية لن يكتمل ما دامت أرزاق الناس في هذه البلاد ترتبط باللغة الفرنسية، والناس في هذا الزمان لا تهتم إلا بأرزاقها، فمن المعروف أن اللغة الرسمية الوحيدة لإجراءات الصفقات العمومية التي تنفق عليها 40% من ميزانية الدولة هي اللغة الفرنسية، ولذا فإن أصحاب الشهادات العربية سيقصون من العمل في هذا القطاع لأن لغة العمل الوحيدة فيه هي اللغة الفرنسية، كما أن المؤسسات التي تعمل باللغة العربية فقط سيتواصل حرمانها من المشاركة في الطلبيات العمومية، إذا لم تقم بترجمة عروضها إلى اللغة الفرنسية. يمكن أن نضيف إلى ذلك أنه لا يمكن لأي مواطن موريتاني أن يؤسس اليوم شركة جديدة إذا لم يعد كل وثائق ملف الترخيص باللغة الفرنسية حصرا، والتي يبدو أنها هي اللغة الرسمية الوحيدة للشباك الموجد.
لقد آن الأوان لجعل اللغة العربية هي لسان الاقتصاد الوطني، ولقد آن الأوان لأن تكون هذه اللغة هي اللغة الرسمية للصفقات العمومية وللشباك الموحد وللبنك المركزي ولكل البنوك والشركات العمومية والخاصة العاملة على أراضي الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
تنبيه : أحد مراجعي الشباك الموحد وبعد أن أودع ملفه لدى المحكمة التجارية، وحصل على وصل بذلك، قام بترجمة اسم الشركة، وبإعداد ملخص بالفرنسية من الملف، ومع ذلك رفضوا من جديد استقبال ملفه تنفيذا للأوامر العليا، وطلبوا منه أن يترجم النظام الأساسي للشركة إلى الفرنسية، حتى يستقبلوا ملفه.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين الفاضل
Elvadel@gmail.com