قصة الصحفي بلعمش وصراع السرديات بين لبراكنه والشَّرْك
القشة التي “قسّمت ظهر البعير”، كما يقال، عندما علّق بلعمش على سياسة الحكومة تجاه العمال العقدويين، مشيرًا إلى أن ولد حدمين نفسه “كان عقدويًا”، لكنه – بعد صعوده في هرم السلطة – اتُّهم باستهداف هذه الفئة بدل دعمها
في عدد من الدول الإفريقية، تتسم العلاقة بين الصحافة والسلطة بقدر كبير من الشد والجذب.
لا يعود هذا فقط إلى حساسية السلطة تجاه النقد، بل أيضًا إلى تأثير البنى القبلية والجهوية على صناعة القرار، وعلى طريقة إدارة الصورة العامة.
وتُعدّ قضية الصحفي بلعمش مع الوزير الأول المختار ولد اجاي إحدى أبرز الأمثلة على هذا التشابك بين الإعلام والسلطة والجهويات في موريتانيا.
جهوية حاضرة بقوة: لبراكنه والشرك وصراع المواقع
يرى عدد من المراقبين أن التوازن الجهوي في موريتانيا يلعب دورًا حاسمًا في المشهد السياسي والإداري.
وبحسب روايات متداولة في الأوساط الإعلامية، فإن بعض النخب في لبراكنه ظلّت تتوجس من ترسّخ نفوذ أطر منطقة الشّرك، وتسعى إلى الحد من دورهم بحجة ضعف الكفاءة أو انتشار الفساد، وهي سردية وُصفت بأنها استُخدمت لتبرير السيطرة على مواقع التعيين.
في خضم هذا المناخ، جاء أداء الصحفي بلعمش ليقلب الطاولة على الخطاب السائد.
إذ يُنظر إلى عمله على أنه منح مساحة جديدة لصوت مختلف، يعيد تقديم أطر الشرك بعيدًا عن الصورة النمطية التي سادت لسنوات.
بين ولد حدمين وبلعمش: سردية مضادة لما هو شائع
إحدى النقاط التي أثارت الجدل تمثلت في الطريقة التي تناول بها بلعمش مسيرة الوزير الأول الأسبق يحيى ولد حدمين، القادم من المنطقة الشرقية.
فقد قدّمته كتابات وتحليلات الصحفي في صورة المسؤول العصامي الذي تحدّى ظروفه حتى نال إعجاب الرئيس الأسبق محمد ولد عبد العزيز، وهو تصوير أعاد تشكيل الانطباع العام حول الرجل.
هذا العرض الإعلامي – ووفق روايات متداولة – وضع أطر الشرك في موقع مضيء، مخالف للصورة التي روجت لها نخب لبراكنه حول “فساد أطر الشرك”، وأحدث توازنًا جديدًا في السجال الجهوي.
المواجهة مع المختار ولد اجاي: حين يصبح السؤال الصحفي فعلًا سياسيًا
لكن الخلاف الحقيقي – كما ينقله صحفيون ومطلعون – تمحور حول العلاقة بين بلعمش والوزير الأول المختار ولد اجاي.
ينتمي الأخير إلى لبراكنه، وهي منطقة حساسة داخل اللعبة السياسية والاقتصادية، وهو ما زاد – وفق تفسيرات عديدة – من حساسية أي نقد يوجه إليه.
ورغم أن النظام الموريتاني خلال تلك الفترة سمح بهامش مناورة إعلامي محدود، إلا أنّ جرأة بلعمش في طرح الأسئلة المباشرة وضعت السلطة في مواقف غير مرتاحة.
وقد تكرر إحراج الرئيس ولد عبد العزيز في مؤتمرات صحفية بفعل أسئلة الصحفي، وهو ما لم يكن شائعًا في الإعلام الرسمي.
“الخنقة التي قسمت ظهر البعير”: ملف العقدويين
بلغ التوتر ذروته – بحسب عدة روايات – بعد تعليق بلعمش على سياسة الحكومة تجاه العمال العقدويين.
إذ أشار إلى أن الوزير الأول نفسه “كان عقدويًا”، لكنه – بعد صعوده في سلم السلطة – اتُّهم باستهداف هذه الفئة بدل دعمها.
هذا النوع من الانتقاد كان شديد الحساسية لأنه يجمع بين:
تفصيل شخصي في مسيرة الوزير،
وتقييم سياسي لقرارات حكومية مؤثرة،
وإحراج مباشر في لحظة إعلامية علنية.
وهو ما اعتبرته دوائر داخل النظام تجاوزًا للحدود المقبولة، لتتحول القضية إلى صراع مفتوح بين صحفي مستقل وسلطة تنفيذية نافذة.
الإعلام كقوة مضادة… والسلطة كحامية لسرديتها
تكشف قضية بلعمش وولد اجاي عن ثلاثة مستويات من الصراع:
1. صراع إعلامي – سياسي: بين صحفي يطرح الأسئلة بلا مواربة وسلطة تريد ضبط الخطاب.
2. صراع جهوي: بين سردية لبراكنه التقليدية وصعود تمثيل الشرك في المشهد العام.
3. صراع داخل الدولة: بين الحاجة لهيبة الحكومة وحاجة المجتمع لصوت نقدي.
وفي النهاية، تُظهر القضية أن الصحافة الموريتانية – رغم القيود – ما تزال قادرة على إنتاج خطاب موازٍ، وأن السلطة – رغم نفوذها – لا تستطيع دومًا احتكار الرواية.
.
الهضاب إنفو موقع إخباري مستقل