شهادة التاريخ

قال تعالى: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ صدق الله العظيم.

أكتب هذه الشهادة بعد مرور عقد كامل على تدوينها أول مرة، وفاءً للحقيقة وإنصافاً للذاكرة الوطنية، بشأن ما تعرضت له قومية البولار في موريتانيا خلال ما يعرف سياسياً بـ”سنوات الجمر” وحقوقياً بملف “الإرث الإنساني” في الفترة 1990 – 1991، وهي أحداث موجعة وجرائم مؤلمة سال فيها حبر كثير، وربما بقدر ما سال فيها من دماء نصرة للضحايا وإحقاقاً للحق.

غير أن الحقيقة الغائبة عن البعض، والمغَيَّبة عمداً عن آخرين، تكمن في أن ملف الإرث الإنساني وكذلك ملف المبعدين قد طُوِي بيد أصحاب الحق أنفسهم؛ أصحاب الدم الشرعيون وورثتهم الطبيعيون، وبإشراف ومباركة حواضنهم الإقليمية والدولية ومنظماتهم الحقوقية والوطنية.

وقد كان لي شرف التكليف المبكر خلال سنة 2007، من طرف رئيس الجمهورية آنذاك سيدي ولد الشيخ عبد الله، بالمشاركة في إعداد ملف شامل وعادل لحل هذه القضية. وضم الفريق يومها وزير الداخلية الأسبق زكريا، والفقيد محمد سعيد همدي، والأستاذ الشيخ سعد بوه كامارا، والسياسي المخضرم أحمد ولد سيدي باب، والإداري “كان” من وزارة الداخلية، والسيد سيدي محمد ولد محم، والسيد أسلامه ولد عبد الله، تحت إشراف الأمين العام لرئاسة الجمهورية حينها يحى ولد أحمد الوقف.

وقد توّجت تلك الجهود بتنظيم الأيام التشاورية حول ملف الإرث الإنساني، حيث تولّيت رئاسة ورشة الضحايا من أفراد المؤسسة العسكرية تحديداً، بمساندة وزير العدل الأسبق بال آمادو تيجان، والمحامي سيدي محمد ولد محم، والموثق أسلامه ولد عبد الله. وقد حضر تلك الورشات كافة أطراف الطيف السياسي والاجتماعي، ومنظمات الضحايا في الداخل والخارج، إضافة إلى منظمات دولية معنية مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (HCR).

وانتهت تلك العملية إلى مصالحة وطنية شاملة، وافق عليها أصحاب الدم ومن يمثلهم ومن يناصرهم، وكذلك من يخالفهم. وتضمنت المصالحة جبر الضرر، وتعويض ذوي الضحايا، ولمّ شمل الأسر، وتمكينهم من الأوراق الثبوتية، والصلاة على أرواح الشهداء الأبرياء. وكانت وكالة دمج وإعادة المبعدين ثمرة مباشرة من ثمار تلك التسوية، قبل أن تُجمع الأطراف الثلاثة – الدولة، وأصحاب الدم، وHCR – بعد سنوات على اكتمال تنفيذ بنود المصالحة وإغلاق الملف نهائياً.

وهنا يفرض السؤال نفسه: لصالح من يُعاد اليوم فتح هذا الملف وكأن شيئاً لم يكن؟
وإذا كانت الحلول التي أُقِرّت يومها غير مكتملة أو غير مرضية – كما يدَّعي البعض – فلماذا قَبِل أصحاب الدم أنفسهم العزاء، وجبر الضرر، والتعويض، والعودة، والدمج، ووقّعوا على طي الملف بشهادة كل الأطراف؟

لعل في المشهد من يريد، لحاجة في نفسه، أن تبقى الجراح مفتوحة لتُمتطى من جديد، بعد أن نال الثمن وأخذ المثمون.

لغه

شاهد أيضاً

زعيم المعارضة يصرح بأن الشعب ملَّ المغالطات وسئِم الوعود العرقوبية

  * قال الزعيم الرئيس للمعارضة الديمقراطية في موريتانيا ورئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية …