
حصلت على وثائق وتسجيلات وتفاصيل تكشف اختلالات قانونية، وتضارب في القرارات في صفقة تولّى الجيش إبرامها لصالح وزارة الصحة، وعرقت إكمال الصفقة قرابة عام، تغيّر خلالها مبلغها ووسطاؤها والشركة الممنوحة لها، فيما بقيت الصفقة عالقة إلى اليوم.
وخلال قرابة عام كامل، بقيت المستشفيات التي كانت وزارة الصحة تريد استجلاب الأجهزة لها في الانتظار، وبقي المرضى والمراجعون ينتظرون معدات كان وصولها يمكن أن يوفر كشفا مبكرا يخفف من مضاعفات مرض ما، أو يمنح تشخيصا أكثر دقة.
الوثائق التي حصلت عليها الأخبار، تكشف تفاصيل صفقة تنازلت عنها وزارة الصحة للجيش الموريتاني، ومنحها الجيش لشركة سنغالية، قبل أن يسحبها منها ويمنحها لشركة مغربية، وكل هذه العمليات تمت عبر التراضي خلافا لنص القانون، ورغم أن الصفقة أبرمت لصالح وزارة الصحة، فإنها تخفّت خلف المؤسسة العسكرية، ولم تظهر في أيّ مرحلة من مراحل الصفقة.
التفاف على القانون
ويمنع القانون الموريتاني إجراء الصفقات بالتراضي أو بالتفاهم المباشر، وهي الصفقات التي “لم يقع فيها أي شكل من المنافسة”، سوى في حالات استثنائية، وتتطلب إذنا خاصا من لجنة رقابة الصفقات العمومية يؤكد أن الشروط القانونية لها متوفرة.
ويحدد القانون شروط إبرام صفقات التراضي في “حالة ظروف استثنائية فرضتها كوارث طبيعية”، أو في حالة “استغلال براءة اختراع أو ترخيص أو حقوق خاصة يتمتع بها متعهد واحد أو مورد واحد أو مؤدي خدمات واحد”، أو “العقود المبرمة بين السلطة المتعاقدة ومتعاقد تمارس عليه رقابة تماثل تلك التي تمارسها على مصالحها الخاصة”، أو “إذا كانت الأشغال أو التوريدات أو الخِدمات مكملة لصفقة تم تنفيذها أو قيد التنفيذ بشرط أن لا يمنح اللجوء مع ذلك إلى المنافسة امتيازات هامة”.
كما أن من ضمن شروطه “حماية المصالح الأساسية لأمن الوطن”، وما تقتضيه من سرية، لكنه يشترط لذلك صدور قرار عن مجلس الوزراء.
ومع عدم توفر أيٍّ من هذه الشروط في صفقة المعدات الصحية، فقد تم منحها مرتين عبر التراضي، ودون أي منافسة، كما تمت المماطلة في تنفيذها طيلة عام كامل، ومع أن جهات إدارية تقول إن طابع الاستعجال كان وراء منحها عبر التراضي، لكنه استعجالٌ لم يتحقق بسبب التنافس والتضارب بين النافذين.
كما لم يتمّ توقيع عقوبات تأخير أو إخلال بالالتزامات على الجهات التي منحت لها، أو سحب الضمان المالي الذي أودعته الشركة السنغالية.
ملحق بأكثر من النصف
قيادة أركان الجيش، وقّعت صفقة تراض لتوريد المعدات والأجهزة الطبية مع شركة Fortunes Capital السنغالية يوم 31 ديسمبر 2024، وبمبلغ 5.194.800 يورو، لتوفير معدات لمنشآت عمومية، بناء على تمويل من وزارة الصحة.
وعادت قيادة أركان الجيوش بعد نحو أربعة أشهر من توقيع الصفقة، أي يوم 29 أبريل 2025، لتوقّع ملحقا بالصفقة حمل الرقم: 033، وتضمن زيارة مبلغ الصفقة بـ2.985.248 يورو، ليرتفع مبلغها الإجمالي إلى 8.180.048 يورو (أي نحو 3.2 مليار أوقية قديمة).
دفع ثم سحب
وكان من اللافت أن الجيش الموريتاني حوّل يوم 23 يوليو، مبلغ 1.88 مليار أوقية قديمة (أي نحو 4 مليون يورو) عبر البنك المركزي الموريتاني إلى حساب الشركة السنغالية، وهو ما يناهز 80% من إجمالي مبلغ الصفقة الأصلي، مع أن العقد ينصّ على دفع 50%، كدفعة أولى.
وبعد أسبوع فقط، أي يوم 30 يوليو، عاد الجيش وطلب استعادة المبلغ من حساب الشركة السنغالية، مبررا ذلك بأن الدفع تم بالأوقية، في حين أن الاتفاق ينصّ على الدفع باليورو.
إلغاء دون عقوبات
وقد كان لافتا أن الجيش ألغى صفقته مع الشركة السنغالية دون أن يقوم بسحب الضمان الذي كان قد أودعه وفقا لما ينص عليه القانون، كما لم يتخذ أي إجراءات تدلُّ على حصول مخالفات استدعت إلغاء الصفقة.
مسؤول في الشركة السنغالية Fortunes Capital أكّد لوكالة الأخبار أن الجانب الموريتاني انسحب من الصفقة بعد أن كانت قيد التنفيذ، وبعد أن وقّعت شركته عقودا مع مورّدين دوليين، منبها إلى أن عقد شركته الأصلي كان موقّعًا مع قائد الأركان العامة للجيوش، في حين أن المشروع ممول رسميًا من وزارة الصحة.
ولفت المصدر السنغالي إلى أن إسلمو ولد الغزواني – أخ الرئيس الحالي – ساهم في حصول شركته على الصفقة، لافتا إلى أن عمولته كانت في حدود 200.000 يورو، وفق المصدر السنغالي، مضيفا أن الرئيس غزواني نفسه علم بانتزاع الصفقة منهم ومنحها للشركة المغربية دون أن يحرّك ساكنًا لرفع ما وصفه بالظلم عن أخيه وعن الشركة.
شركة مغربية على الخط
وأثناء وجود عقد ساري المفعول بين قيادة أركان الجيش الموريتاني، والشركة السنغالية Fortunes Capital، ودون أيّ إشارات بنيّة الموريتانيين إلغاء العقد، دخلت شركة مغربية تسمى T2S دخلت على خط الصفقة، وبدأت مفاوضات مع الموريتانيين للحصول عليها.
ووفق تسجيلات صوتية حصلت عليها الأخبار لمسؤولة في الشركة المغربية تدعى “حنان” فإن الشركة المغربية اتفقت مع الموريتانيين على تجهيز المركز الوطني للأنكولوجيا في نواكشوط، مؤكدة أنها التقت مسؤولين في وزارة الصحة، وكذا مديرة مركز الأنكولوجيا بنينة بنت زين، إضافة للعقيد حمود حماده، والذي وصفته بأنه من ضمن من ساعدهم في الحصول على الصفقة.
أما رئيس الشركة المغربية عبد الرؤوف سوردو، فيؤكّد في تسجيل صوتي حصلت عليه الأخبار أن مفاوضاتهم مع الطرف الموريتاني اكتملت في يوليو، لافتا إلى أنه زار نواكشوط منتصف يوليو وأنهى الاتفاق مع وزير الصحة ومديرة المركز الوطني للأنكولوجيا بنينة بنت زين، دون أي إشارة إلى الجيش الذي تولى توقيع العقد.
وقبل أيام قليلة، وقّع الجيش مجددا نفس الصفقة مع الشركة المغربية T2S، وبمبلغ 5.193.000 يورو، وهو مبلغ أقل من سقف صفقة شركة السنغالية الأصلية بقليل، لكن الفارق يقفز إلى نحو 3 ملايين يورو مع السعر بعد الملحق الذي وقّع مع الشركة السنغالية 29 إبريل 2025.
المعطيات التي حصلت عليها وكالة الأخبار تؤكد أن الشركة المغربية ستُورد للطرف الموريتاني أجهزة صينية، خلافا للأجهزة الأوروبية التي كانت الشركة السنغالية تعمل على توريدها.
ووفق مصادر وكالة الأخبار المستقلة، فإن عرض الشركة المغربية اشترط دفع مبلغ الصفقة كاملا ومقدّما، خلافا للصفقة السابقة، والتي كانت تنص على دفع المبلغ على دفعتين كل منهما 50%.
أسئلة عالقة
الصفقة المستمرة منذ نحو عام كامل، دون أن تصل إلى نتيجة محددة، تطرح العديد من الأسئلة، من أبرزها:
– ما هي علاقة الجيش بشراء معدات طبية تموّلها وزارة الصحة، ويتم اقتناؤها لصالح مركز الأنكولوجيا ومستشفيات مدنيّة؟ وعلى أي معيار تم منح الصفقة له؟
– هناك قرابة 3 ملايين يورو بين الصفقتين السنغالية والمغربية، فهل يعود إلى ذلك إلى عمولات كانت ستدفع في الصفقة الأولى؟ أم إلى نقص في جودة الأجهزة في الثانية؟
– لماذا تأخر تقديم الدفعة الأولى للشركة السنغالية لنحو سبعة أشهر، مع أن الاتفاق ينص على دفعها عند التوقيع، بينما لم تدفع إلا بعد توقيع ملحق بزيادة بنحو 3 مليون يورو؟
– ما هي مبررات فسخ العقد مع الشركة السنغالية، ولماذا لم يسحب الضمان البنكي الذي أودعته؟
– لماذا وافق الجيش على دفع مبلغ الصفقة كاملا للشركة المغربية خلافا لما هو معروف من تقديم المبلغ على دفعات، وحسب نسب الإنجاز؟
وكالة الأخبار أرسلت هذه الأسئلة إلى مديرية الاتصال والعلاقات العامة في الجيش الموريتاني، طالبة الرد عليها، وبعد 24 ساعة من إرسال الأسئلة مكتوبة، عاودنا الاتصال بها هاتفيا، لترد بقولها، إنه “حين يكون لديها تعليق أو توضيح حول الموضوع فستتصل بنا”.
لتبقى الأسئلة عالقة دون رد، ويبقى معها المرضى في انتظار أجهزة كان يفترض أن تصل منذ شهور ولم تصل إلى اليوم.
الهضاب إنفو موقع إخباري مستقل