قرأت مقال الوالد بيجل ولد هميد الذي دافع فيه عن ولد مرزوك مرشحا للرئاسيات. ونظرا لمكانة بيجل وللاحترام الذي يكنه له الجميع وهو احترام مستحق لأكثر من سبب، فإن الرد على مقاله يبدو ضروريا لأنه للأسف، وبحسن نية، قلب بعض الحقائق وغابت عنه بعض الوقائع.
لا اهمية لكون ولد مرزوك حرطاني او غير ذلك ولا لمكانة والده رحمه الله. فتلك معايير لا تهم من وجهة نظري. ما يهم هو الشخص نفسه وصفاته وتاريخه الوظيفي.
أولا، لنتفق على أنه ليس أخلاقيا ولا حتى سياسيا أن يبادر رجل، ايا كان، إلى دفن الرئيس الذي وضعه حيث هو وذلك في السنة الأولى من مأموريته الرئاسية. اي في وقت يجب ان تكون الحكومة مشغولة فيه بتنفيذ برنامج الرئيس وخدمة الموريتانيين. وفي وقت يجب على ولد مرزوك بالذات التركيز على علاقاتنا الخارجية في لحظة من اكثر اللحظات صعوبة في شبه منطقة تحولت إلى بحر متلاطم من المشاكل والأخطار والتهديدات. إنه وقت العمل والتفاني فيه وليس وقت الغرق في أحلام اليقظة وجنون العظمة.
ثانيا، والدنا المحترم بيجل، أصحح لكم معلومة : ولد مرزوك ليس دكتورا في العلوم السياسية وانما حاصل على السلك الثالث في الجيولوجيا بعد أن قضى سنوات استاذاً للجغرافيا في التعليم الثانوي، وهو خريج مدرسة تكوين الأساتذة في نواكشوط. معلومة أخرى أود تصحيحها، وهي تفوقه التعليمي. لم ينجح ولد مرزوك ولا مرة واحدة متفوقا على دفعته في اي مرحلة من مراحله التعليمية. ثم إنه من ناحية الكفاءة من الذين يعتبرون دون المتوسط بكثير. وذلك رغم عمله الدؤوب على الهبوط بالمعايير من خلال تعييناته المشهورة علها تظهره لامعا. ولكنه بقي تحت المتوسط بكثير. ويكفي الاستماع إلى خطاباته وتصريحاته ونقاشاته.
ثالثا، فور تسلمه أول وظيفة عمومية ، أي عند تعيينه مفوضا للأمن الغذائي في ظل ولد الطايع ، تورط في فضيحة احتلت صدارة الصحافة الورقية آنذاك. وتمثلت في شرائه لفيلا فخمة في حي تفرغ زينه قبل استلام راتبه الشهري الأول. ولدفن القضية دفع ايضا عدة ملايين للمدير الناشر لصحيفة لاتريبين التي نشرت القضية على صفحاتها الاولى. وكان موضوع الصفقة هو عدم توزيع اعداد الجريدة التي كانت قد طبعت فعلا. وبعد خلاف على دفع “المؤخر”، قامت الصحيفة بنشر الخبر في نسختها الفرنسية أما العربية فاشتراها ولد مرزوك قبل التوزيع. وقد تواصلت فضائحه المالية بعد ذلك في مختلف القطاعات.
وبعد تعيينه على رأس مفوضية استثمار نهر السنغال، توج مسيرته هناك بالتورط في عملية فساد وغسيل اموال غامضة اعتقل بعدها عند الشرطة السنغالية وتلك سابقة في تاريخ هذه المنظمة. وعاد إلى موريتانيا صفر اليدين لأسباب لا داعي لشرحها هنا ونعرف انه اصبح من الأغنياء مجددا وفي ظرف وجيز حيث عادت حليمة إلى عادتها القديمة. وليس ذلك مشجعا على ائتمانه.
عند توليه وزارة الداخلية أبدى جهلا منقطع النظير بالمجتمع الموريتانيا وبالإدارة في أبسط أبجدياتها. وكان يعمل منعزلا عن ولاته وحكامه ومستشاريه إلى أن عزل بعد أن قام بتعقيد مشكل بسيط على الحدود المالية لمدة تسعة أشهر قبل أن يحله حاكم كنكوصه في ساعتين، والحاكم المعني هو الأمين العام الحالي لوزارة الداخلية. لم يغادر ولد مرزوك الوزارة قبل القيام بتعيينات أبرزت كفره بالمصلحة العامة وهيبة الدولة واحترام الوظيفة العمومية وقواعدها. ففي أحد مجالس الوزراء عين 18 حاكما من شريحة لحراطين -ولا مشكلة في ذلك- غير انه اختار عديمي الكفاءة والأهلية. كان من بينهم محصل إتاوات بلدية وجد نفسه حاكما بين عشية وضحاها. وكان بينهم سائق وجد نفسه كذلك ينتقل من سائق الحاكم إلى وظيفة حاكم. كيف تتوقعون ان ينظر الإداريون المدنيون من حراطين واكور إلى هذا السلوك؟
أما عدم كفاءته في الخارجية وتسييرها كبرج عاجي دون اي تواصل لا مع السفراء ولا مع ادارته المركزية فقد سارت به الركبان. يقضي ولد مرزوك وقته متنقلا بين المطارات من اتفه اجتماع إلى اهمه وكأن وظيفته هي السفر. وتوالت الحماقات الديبلوماسية وحلت الارتجالية والفوضى والمحسوبية محل كل المعايير والقواعد . وكانت آخر إنجازاته تآمره على سفيرنا المخضرم في جنيف بطريقة وقحة تبين بعد ذلك ان الهدف منها هو اعطاء الوظيفة لسيدة شبه أمية لا تقدر على صياغة جملتين لا بالعربية ولا بالفرنسية ولا على ترتيب اية افكار.
سياسيا ، أحلتم ، معالي الوزير والوالد المحترم بيجل، إلى شعبية ولد مرزوك المزعومة في الميناء. هل لكم تذكيرنا بنتائج الرئيس غزواني هناك في الرئاسيات الأخيرة ؟ 28% لولد الغزواني مقابل ضعف ذلك تقريبا للمرشح بيرام الداه اعبيد. فأين هي شعبية ولد مرزوك في الميناء ؟ لا توجد. ثم إن الرجل ينحدر من مدينة كيفه بولاية العصابه وليس لديه فيها ادنى مقدار من الشعبية. يكفي إلقاء نظرة خاطفة على بيته في حي كوميز حين يكون هناك. لا زائر يزوره رغم طيبة وحاجة اهلنا هناك.
فضلا عن أن الوقت ليس وقت التناحر والاقتتال على تركة رجل مايزال في العام الاول من مأموريته، وأن الوزراء يتقاضون رواتبهم لخدمتنا وليس للقيام بحملة رئاسية أربع سنوات قبل الاستحقاق ، فإن حلم ولد مرزوك بالرئاسة هو من باب الأوهام وأحلام اليقظة. ثم إن المجتمع الموريتاني يبقى رغم فساده الاخلاقي متمسكا بحد ادنى من القيم. فالناس هنا لا يحبون الرجل الكذوب ولا يحترمونه. “الكذاب ليس منا”. كما لايحبون السارق ولا يقدرونه. ولا نراهم يدعمون رجلا يغدر برئيسه ويشوش عليه في السنة الأولى من مأموريته. والحقيقة أن أحلامه وأوهامه لا تستحق الرد لو لم يدافع عنه رجل صدوق ورقي وأمين ومحترم مثل بيجل ولد هميد الذي هو، في مخيلة الموريتانيين، على النقيض تماما من صفات ولد مرزوك.
سيدينا ولد المصطف.