ليت نشطاء الفيسبوك تعلَّموا من النمل!

محمد الأمين الفاضل 

في مملكة النمل، يمكن للإنسان أن يتعلم درسًا بليغا، ربما يكون من أهم الدروس التي يجب عليه أن يتعلمها؛ فالنمل يمتلك قدرة عجيبة ومدهشة في تحديد الجهد المطلوب لكل عمل، فلا يُهدر طاقته في توافه الأمور، ولا يتقاعس أبدا إذا ما واجه عملا عظيما يستحق البذل والتضحية.يُروى عن أحد دارسي سلوك النمل أنه غطَّى قطعتين من مادتين مختلفتين بالسكر، وكان حجم القطعتين متساويا وشكلهما متطابقا، ولكن وزن إحداهما كان يُضاعف وزن القطعة الثانية ثلاث مرات.

اكتشفت نملةٌ القطعتين، فعادت إلى مستعمرتها، وجاءت بتسع نملات لحمل القطعة الأخف، وبسبع وعشرين نملة لحمل القطعة الأثقل ثلاث مرات من القطعة الأخف!  أليست هذه دقة مدهشة في ضبط الجهد اللازم لكل عمل؟ أليس هذا تخطيطا مذهلا في عدم الإسراف في الجهد والطاقة، وكذلك عدم البخل بهما عندما تكون هناك حاجة للإنفاق منهما؟

إن كل الأعمال والمهام في مملكة النمل تنال ما تستحق من جهد وطاقة، دون أي زيادة أو نقصان، حتى ولو كانت تلك الزيادة أو ذلك النقصان طفيفا جدا.

ليتنا نحن ـ في هذا الفضاء الافتراضي (أما الفضاء الميداني فلا تسأل عنّا فيه) ـ تعلمنا من النمل هذه الدقة المتناهية في بذل الجهد والطاقة؛ فكم من قضايا ثانوية شغلتنا بنقاشات لا بداية لها ولا نهاية، وكم من قضايا مصيرية تُركت على هامش اهتماماتنا، ولم تحظَ حتى بالحد الأدنى من النقاش.

ولو أردنا أن نعبّر عن ذلك حسابيًا، فسنجد أن 80% من المواضيع التي نناقشها في الفيسبوك لم تكن لتستحق عُشر ما كُتب عنها، وأن 80% من القضايا الأهم التي كان علينا أن نركِّز عليها في نقاشاتنا لا تنال عُشر ما كانت تستحق من اهتمام!

نحن في هذا الفضاء أحوج ما نكون إلى دروس متكررة في ترتيب الأولويات، ودروس أخرى في اختيار التوقيت الأنسب لإثارة النقاش حول بعض القضايا والملفات العالقة.إن ما دفعني لاستحضار تجربة النمل هذه، هو هذا الجدل الواسع والنقاش المحتدم حول بعض الهويات الضيقة، وقد شغل هذا النقاش نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي عن قضايا وملفات أخرى أكثر أهمية.  وإن كان لا بد من فتح نقاش عن الهوية في مثل هذا الوقت بالذات، فلنوجّه بوصلة النقاش في اتجاه الهوية الوطنية الجامعة؛ فنحن في هذه البلاد بأمسّ الحاجة لما يجمعنا لا لما يفرّقنا.

فلنوجّه بوصلة النقاش إلى هوية “الموريتاني” أيًّا كان عرقه، أو شريحته، أو جهته.  وأنا لن أحدثكم هنا عن هوية الموريتاني من منظوري الخاص، ولن أقدِّم لكم اجتهادات شخصية عن الهوية قد تُخطئ أو تُصيب، وإنما سأحدثكم عنها من خلال ديباجة دستوركم وصريح مواده؛ فالدستور الموريتاني ـ وكما قلتُ في مقال سابق ـ قد حسم هوية الموريتاني، وحدّد لها أربعة مرتكزات أساسية، لا خامس لها:

1. دينه الإسلام: فالموريتاني مسلم، لا يُجيز له الدستور، وقبل ذلك لا يُجيز له الشرع، أن يبتغي دينا غير الإسلام.

يقتضي هذا المرتكز الأول للهوية أن يتمسك الموريتاني بالدين الإسلامي، وأن يدافع عن قيم هذا الدين وثوابته؛

2. عربي إفريقي: فهويّة الموريتاني جينيّا وجغرافيا عربية وإفريقية معا؛

3. لغته الرسمية العربية: فاللغة العربية هي اللغة الرسمية الوحيدة في موريتانيا، ويفترض هذا المرتكز أن يتعامل الموريتاني مع اللغة العربية على أساس أنها لغته الرسمية، مهما كان انتماؤه العرقي أو الشرائحي؛

4. لغاته الوطنية: هي البولارية والسنونكية والولفية، وهي تمثِّل ـ حسب ديباجة الدستور ـ إرثا وطنيّا مشتركا لكل الموريتانيين، لا فرق في ذلك بين من كانت هذه لغته الأم ومن لم تكن.

هذه المرتكزات الأربع هي التي تحدد الهوية الوطنية الجامعة للموريتانيين، والتي علينا أن نتفق عليها أولا، وندافع عنها قبل أن نخوض في هويات ضيقة ستزيد من انقسام وتشظِّي المجتمع الموريتاني، الذي يحتاج إلى أشياء أخرى كثيرة أكثر أولوية وإلحاحا من نقاشات قد تزيده تشظّيا وانقساما.حفظ الله موريتانيا…

محمد الأمين الفاضل

شاهد أيضاً

الإعلان عن وفاة ” ولد الهادي ” المستشار بالسفارة الموريتانية بالسعودية

 . أعلن عن وفاة الدبلوماسي و المستشار بسفارة موريتانيا بالمملكة العربية السعودية محمد الأمين ولد …