اين اجده

قبل قليل وجدتني أبحث عن صوت لم يعد يسمع بين جنبات المبنى الحكومي الكبير، ابحث عن شخص تلاشى بسرعة وذاب في حياة اخرى كفص ملح، منهيا فجأة رحلة بدأتها شخصيا معه قبل أشهر كانت أشهري الأولى في الوظيفة و أشهره الأخيرة فيها..ربطة عنق حمراء، بدلة أنيقة، صوت جهوري ورطانة بولارية على لسان عربي مبين.

أشياء وجدتني الآن أستعيدها وكأنني أرفع عقيرتي في الدهاليز: من وجد منكم صاحب هذه الأشياء فليخبرني بمكانه.

اسمه ايسلمو، تماما ككل الأسماء البدوية، شكله شكل رجل يقبل القسمة على جميع الأعراق والثقافات..عرفته أيامي الاولى، واستفزني بعد دقائق من وصولي بحجة عظمة التراتبية والتشريفات واحترام تلك الطقوس التي طالما وجدتها غبية ولاتعبر (أي الطقوس) بالضرورة عن الوطنية والانضباط المهني..

بعد اشهر تخللتها لجان انتظمت وجلسات نقاش وشاي التأمت تعرفت على الصبي الكبير المحترف،صبي لانه لايضمر كغيره من الكبار، محترف لأنه يقدس عمله وينظمه بتفان ودقة؛ يقف أمام الوزراء والساسة كأنه رئيس جوق يستعد لعزف سيمفونية لباخ او بيتهوفن..

افتقد كثيرا ذلك الرجل الذي يغضب بسرعة ويبتسم اسرع من ذلك..افتقد الرجل الذي تثبت تفاصيل ودقائق أيامه الأخيرة معنا ان سنة التقاعد الكونية جريمة لايحترم واضعوها أصلا النضج والتجربة والخبرة..

على العموم أنا واثق من حقيقة واحدة وهي أنه سيكون يوما رئيس جوق و”كورال” مهم، فالملحن العظيم لن يترك الفن وإن أقفلت المسارح في وجهه ابوابها بحجة العمر.

اما أنا الباقي مؤقتا هنا، فبعد رحيله أجدني اتذكر استفزازاته وعنجهيته كوسائل إيضاح لتلميذ عصي ومضطرب نجح اخيرا في فهم حقائق ماكان ليقبلها لولا ذلك المدرس المتميز.

صديقي وأخي الاكبر ايسلمو كان طيفا لطيفا ينعش المبنى الحكومي الكبير ثم تركه بسبب التقاعد..كم أكره هذه الكلمة التي تخرج من العمل اناسا رائعين مثل ايسلمو.

لذلك الرجل معين من الاحترام والمحبة لن ينضب فأحسن مافي المشاعر أنها لاتتثاءب ولاتتقاعد.
ترى هل سمع قانون التقاعد بأن المراجل العتيقة تبقى وحدها القادرة على منحنا المرق اللذيذ.؟
لا أعتقد، فالتقاعد في قمة العطاء لا يعي هذه الحقيقة.

محمد الأمين ولد محمودي

شاهد أيضاً

قصةالاسبوع

في   قلب إحدى المدارس البسيطة في البرازيل، كان هناك معلم شاب اسمه برونو رافاييل بايفا. …