قال الوزير السابق محمد ولد العابد إن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بعث بإشارات إيجابية فيما يتعلق بمحارية الفساد، مثل إقالة شخصيات مؤثرة في النظام ومهمة من الأغلبية الداعمة له.
وأشاد ولد بتطوير الترسانة القانونية المعززة لشفافية و اعتبرها خطوات مهمة وشجاعها لكن ينغصها أن أحدا لم يدخل السجن بتهمة الفساد على الرغم من اعتراف الرئيس بوجود الفساد..
وأضاف ولد العابد في مقابلته مع موقع الفكر أن الهدف من إنشاء المشاريع انحرف عن قصده في كثير من الحالات كما هوحال مطار أم التونسي والحال في مشاريع الطاقة التي طلفت البلد أكثر من مليار يور ” ولم يظهر للعيان ولا على أرض الواقع أي أثر لهذا، وهو ما يعني أن هذه المشاريع كان الهدف منها خدمة أفراد أو مجموعات وليس الشأن العام”
وهذا نص المقابلة:
موقع الفكر: نود منكم تعريف المشاهد بشخصكم الكريم؟
محمد العابد: اسمي محمد ولد العابد ولدت قبل 61 سنة في مدينة تجكجة، ودرست في نواكشوط، ونلت فيه شهادة الباكلوريا سنة 1983، ثم أكملت دراساتي الجامعية في فرنسا.
بدأ مساري المهني سنة 1989، ثم عدت إلى فرنسا سنة 1996، لإكمال الدراسة في المدرسة الوطنية للإدارة في باريس، وبعدها عدة إلى وزارة المالية مستشارا مكلفا بالشؤون التنموية، وخلال هذه الفترة مكلفا بترقية السياسات التنموية، ثم مستشارا مكلفا بترقية القطاع الخاص، وخلال نفس الفترة، كنت أيضا رئيسا للجنة الفنية لإعداد الاستيراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر ومتابعة تنفيذها، وكنت أحسب يومها من الأطر الموريتانيين الذين ينظر إليهم على أن بإمكانهم تولي مسؤولية القطاع، ولم أكن وحيدا في ذلك، وربما وقع علي الاختيار لتولي منصب وزير المالية والشؤون الاقتصادية لهذا السبب، وربما أيضا لأنني لم أكن يومها منخرطا في أي شأن سياسي وليس لي اهتمام بغير الجوانب المهنية.
ومنذ العام 2007 وأنا استشاري حر، أعد الدراسات والمشاريع داخل البلد وخارجه، حسب ما يتوفر من فرص، وككل أبناء جيلي مارست العمل السياسي منذ أن كنت في المرحلة الإعدادية، ولعوامل متعددة امتنعت عن الخوض في السياسة، قبل أن أجد نفسي في مراحل أخرى مقتنعا بأن السكوت يكون جبنا، ولذلك لما حدث ما حدث سنة 2008، ناضلت مع غيري في حزب اللقاء الوطني الديمقراطي آنذاك، وفي منسقية المعارضة المناوئة للانقلاب، لإرجاع الأمور إلى مسارها الطبيعي، وبعد ذلك، اتجهت الأمور إلى نطاق معين، وقرر الحزب مساندة النظام، ومساندة الرئيس الحالي، نأيت بنفسي عن السياسة، وخصوصا السياسة في نطاق حزبي.
وأنا الآن من بين مجموعة من الأطر وحملة الهم العام، الذين يحاولون استنهاض همم الموريتانيين من أجل استعادة الثقة في النظام العام، ولعلكم سمعتم بذلك عبر ما يعرف بمنتدى الإصلاح والتنمية، وقد يتطورالمشروع بعد تأسيسه إلى حزب سياسي، والمهم في شأنه أن يعي الموريتانيون أن البلد محاط بكثير من المخاطر، وأن الإحباطات المتولدة نتيجة سلوكيات تجذرت في الإدارة وطريقة التسيير، وأداء ولاة الأمور، تستدعي أن يعي الناس المخاطر المحدقة بهم، وأن يهبوا لتغيير العقليات والمنهجيات السائدة.
موقع الفكر: ما سبب تعثر أغلب المشاريع في موريتانيا؟
محمد العابد: إعداد المشاريع يبدأ بمسطرة معروفة، تبدأ بالتعبير عن الحاجة، فإذا أردنا إقامة مشروع زراعي في منطقة ما، أن يتم رفع طلب عبر السلطات الإدارية، يتضمن جوانب الجدوائية في المشروع، وفرص نجاحه، كما لو توفرت كثافة الأمطار والسكان، في منطقة ما، مع خصوبة الأرض، مما يرفع الحاجة إلى سد، وهنا تقوم الإدارة الإقليمية برفع هذا الطلب إلى القطاع الوزاري المختص، الذي سيحيله إلى وزارة المالية طلبا لتعبئة الموارد.
وغالبا ما يكون الخلل في التنفيذ، فقد رأينا طرقا لا تصمد عاما واحدا، أمام موسمي أمطار متواليين، والإشكال هنا ليس في المشروع، وإنما في الإدارة المشرفة ومكتب الدراسات المتابع، والشركة المنفذة، وعند التواطئ يكون التنفيذ بعيدا من مطابقة الشروط والمواصفات المطلوبة.
وفي بعض الأحيان يكون هنالك استثمار مفرط، في مشاريع بنى تحتية لا مسوغ لها اقتصاديا، ومنها على سبيل المثال مطار نواكشوط أم التونسي، حيث لم تكن له حاجة آنية، لأن حجم حركة الطيران، لم يكن لافتا ولا يتطلبا إنشاء مطار جديد، وأتذكر جيدا أننا خلال المرحلة الانتقالية وجدنا أمامنا، مذكرة تفاهم أو اتفاقا بين موريتانيا وشركة خصوصية صينية، مع المرحوم با إبراهيما دمبا الذي كان آنذاك وزير التجهيز والنقل، وبعد استشارة الطواقم وبرأي الوزير الأول والرئيس المرحوم اعل ولد محمد فال، قررنا عدم جدوائية المشروع وعدم الحاجة له أصلا، وهو ما أبلغته بشكل شخصي ورسمي للشركة الصينية.
ثم رأينا بعد ذلك تكلفة إقامة مطار في دكار، وكانت منخفضة جدا مقارنة مع تكاليف إقامة مطار أم التونسي التي ناهزت تكاليف أكبر المطارات الدولية.
ولم يكن الإشكال في التكلفة، وإنما في طريقة الإنجاز وما ارتبط بها، ف كانت المرة الأول التي يتم بها إنجاز مشروع عبر المقايضة، حيث تم دفع أراض شاسعة للشركة المذكورة مقابل البناء، ـ كما أرغمت شركة سنيم على تمويل الشركة المذكورة بمبالغ كادت أن تنهك سنيم التي هي عصب الاقتصاد الوطني.
وتبين أن الغرض من المطار غير الغرض المعلن، وهنالك أيضا العديد من الطرق الحضرية في العاصمة نواكشوط، التي لا يستخدمها غير القطط والكلاب السائبة.
وتتذكرون استثمار 50 مليون دولار في الطاقة الشمسية بمنطقة بولنوار، ورغم هذه التكلفة فقد طمرت الرمال هذا الاستثمار ولم يأت بنتيجة، وهكذا تتحول المشاريع إلى غطاء لنهب الأموال العمومية.
موقع الفكر: مالحاجة أصلا والهدف من إنشاء سد فم لكليته، والحال أئه منذ أربعة عقود ونصف لا يوجد له تأثير ولا مردودية اقتصادية والسكان من حوله عطشى و في ظلام دامس رغم أنهم يجاورون أكبر سد في البلاد؟
محمد ولد العابد: من حيث الإنجاز الفني لاخلاف على أن سد فم لكليته أنجز بشكل فني جيد، ويمكن أن تقارن بينه وبين سد واد سكلي، وهو قصة أخرى.
مع أنني لا أملك معلومات دقيقة جدا بشأن تغذية وتنويع الحياة النهرية، واستزراع السمك، وتطوير الحياة الاقتصادية في محيطه.
وبشكل عام فإن هنالك في الاقتصاد ما يعرف بالفيلة وهي المشاريع الضخمة التي تستهلك الكثير من المال دون جدوى اقتصادي مهم.
وهذه المشاريع هي كما يقال ” فيل أبيض” حسب التعبير البريطاني المستمد من الثقافة الهندية، ومنها على سبيل المثال سد سكليل الذي لم يحل بعد مشكل العطش في المناطق المحاذية له
موقع الفكر: حجم المديونية الكبير وما أسقط منه عن موريتانيا، هل يتناسب مع حجم الاقتصاد الوطني؟
محمد ولد العابد: حجم الديون على موريتانيا حاليا في حدود 4.24 مليار دولار، أي ما يمثل 49% من الناتج المحلي الخام، ويتوقع أن تتراجع إلى حوالي 43% في حدود سنة 2027، وذلك بسبب ارتفاع الدخل المتوقع، وبشكل عام فإن ارتفاع الدخل سيخفف من الضغط على الدين.
وللأمانة فإن هذه النسبة معقولة مقارنة مع دول الجوار، لكن انعكاس هذا الدين على البيئة الاقتصادية المحلية، وجدوائية أصلا، موضوع آخر، خصوصا أن الديون الطويلة الأمد، تتحول إلى أعباء دائمة.
وفي بعض الأحيان يحصل التواطؤ، ويكون طول أمد المشروع الممول، فرصة للمسيرين والمشرفين، خصوصا إذا كان استثمارا في البنى التحتية.
هنالك أيضا قدرة الشركات المحلية على تنفيذ الاستثمار، وكم رأينا من مشروع أحيل إلى شركة محلية، ثم عجزت عن الإنجاز، نظرا لعدم قدرتها، أو يمكن أن تفر كما حصل في جسر الحي الساكن، ورغم أن هذه الشركة صينية، فلا يمكن أن تعمل دون شريك محلي.
وبشكل عام فإن العبرة ليست في تصميم المشاريع ولا في الدين العام، ولكن في إشكال الحكامة السليمة، التي تقدم المشاريع المنطقية وتتابعها، وعند غياب هذه الحكامة، يمكن أن تسمع عن مشاريع غريبة ثم تختفي فجأة مثل مشروع تركيب الطائرات الذي جرى تداوله بعد 2008، ثم اختفى بعد ذلك ولم يعرف له أثر.
ويمكن أن تعرف أنه منذ العام 2009-2018 استثمرت الدولة الموريتانية في قطاع الطاقة أكثر من 1.2مليار دولار، ولم يظهر للعيان ولا على أرض الواقع أي أثر لهذا، وهو ما يعني أن هذه المشاريع كان الهدف منها خدمة أفراد أو مجموعات وليس الشأن العام.
موقع الفكر: هل يمتلك محمد ولد الشيخ الغزواني رؤية و إرادة لمحاربة الفساد؟
محمد ولد العابد: إنما نحكم بالظواهر، حصلت بالفعل مظاهر تدل على محاربة الفساد، حيث تمت إقالة شخصيات كانت نافذة بقوة ومؤثرة، ورأينا على سبيل المثال إقالة مديري بعض الشركات رغم ان بعضهم قادة في الحزب الحاكم..
وما نرجوه بالفعل أن تكون محاربة الفساد، مثل التوبة وأن تجب ما قبلها، وأن تكون كما يعلن عنها وما يعبر عنه برنامج رئيس الجمهورية، وعبر مجموعة من القوانين محاربة جادة ودائمة، وبدون استثناءات، ودون حماية لأي شخص أو جهة، وفي المقابل ألا يكون هنالك خوف على أي مسير نتيجة أمانته والتزامه بالقانون.
الفكر: ما رأيكم في إدارة الحكومة الموريتانيا لملف الغاز، مقارنة مع السنغال؟
محمد ولد العابد: ربما يكون التعامل السنغالي أهم طريقة للتعامل مع هذه الثروة الجديدة، عبر التعامل الاستعجالي والمتكامل مع هذا الملف عبر مسارات التكوين لليد العاملة، والتخطيط للموارد التي ينبغي أن توجه إليها موارد الغاز من أجل تطوير القاعدة الإنتاجية للبلد، وإنشاء وخلق فرص تنموية للاقتصاد، ونحتاج في هذا المجال إلى:
- أن يكون للموريتانيين دور مهم في اليد العاملة بهذا القطاع، ومع ذلك فإن حضور الموريتانيين في هذا المجال، أقل مما لدى السنغاليين الذين سبقونا بمرحلة في هذا المجال.
- احترام وحماية الإجراءات الواضحة في عقود الاستخراج: ونحن مرغمون بالفعل على اللجوء إلى الشريك القادر على الاستخراج، وقد اتضحت بالفعل أن هنالك فجوة.
- أن المنصة العائمة كان ينبغي أن تكون ضمن تكاليف الاستثمار، وبالتالي تكون الشركات المستثمرة، تستعيد تكاليفها مع الزمن، أما الآن فهي مؤجرة للأسف، وقد ثار جدل حول الأمر في السنغال، أما عندنا فلم يثر اهتماما كبيرا، نظرا لتقدم النقاش حول الشفافية في السنغال.
وعلى كل حال فإن الغاز سيكون له مردودية مالية على الدولة، وهو ما يتطلب استغلالا أمثل، حتى لا تكون مثل السمك وغيره من المصادر التي لم تدر أو تجلب العائد الاقتصادي المناسب.
وأرجو أن يكون الاهتمام الحالي بملف الشباب والتشغيل،ـ جزء من الإعداد الذي يجب أن يواكب المتغير الاقتصادي الذي يمثله ملف الغاز، بما يقتضي ذلك من التكوين والتطوير، وتأسيس المؤسسات الصغيرة.
وقد لاحظنا أيضا إضافة الحرف إلى التكوين المهني، وهو تطور جيد، نرجو أن يتم معه تكثيف التمويل وفرص التكوين المهني حتى يجد الشباب فرص عمل متنوعة مواكبة للغاز، الذي قيل إنه سيدر حوالي 300 مليون دولار سنويا، مع أن حقل آحميم يتوقع أن يدر على موريتانيا مبالغ مالية تقارب 14 مليار دولار خلال العقود الثلاثة المقبلة، و ستكون الفترة الأولى فترة استرداد المسثتمرين لتكاليفهم، فيما سترتفع بعد ذلك عائدات موريتانيا ومداخيلها، وبشكل عام يتوقع أن يكون في حدود 400 مليون دولار سنويا لصالح موريتانيا، مما سيرفع نسبة النمو الاقتصادي لموريتانيا إلى 14% وهو الآن في حدود 4%.
موقع الفكر: ما جدوائية استغلال حقل آحميم في ظل تأخر الاستغلال وارتفاع التكاليف ما ينذر بضعف العائد والمردودية؟
محمد العابد: بشكل عام فإن تأجيل الاستغلال يتعلق بصدقية أو مصداقية المعلومات والأرقام والمعطيات المتعلقة بالغاز، وبناء على ذلك ستقوم بتقدير قانون الميزانية، وستتراجع عن ذلك عندما يتضح عدم دقة تلك المعطيات.
وقد ثبت فعلا أن هنالك تلاعب بعدد كبير من الأرقام، ومنها عائدات الغاز، وهو ما جعل التبويب عليه في الميزانية صعبا، نظرا إما لتراجعه أو عدم مصداقيته أصلا، وستجد مثلا أنه لم يظهر في موارد ميزانية 2025.
موقع الفكر: ما الفائدة من توجيه العوائد إلى صندوق الأجيال والحال أن جيلنا الحالي يعاني من الفقر والمرض والجهل؟
محمد العابد: ينبغي أن تكون الموارد كلها من صندوق الأجيال، وأن يكون السحب منها حسب الحاجة الماسة والضرورة.
موقع الفكر: رغم مرور اكثر من 6 عقود على استغلال مناجم الحديد، ومرور 5 عقود على تأميم سنيم، فشلت الشركة في إقامة بنى صناعية حيقية تعظم المنفعة والقيمة المضافة؟
محمد ولد العابد: من غير المنطقي القول إن شركة سنيم ما زالت على ما كانت عليه قبل خمسة عقود، فإنتاجها الآن تجاوز 14مليون طن، وإسهامها في اقتصاد الدولة ارتفع، وقدرتها التشغيلية ارتفعت أيضا.
ونظرا لتقلبات السوق الدولية، فقد تراجعت مردوديتها نتيجة لانخفاض أسعار الحديد.
الأسئلة التي ينبغي أن تطرح لماذا لم تظهر صناعات تحويلية، تطور أداء اسنيم، ولكن الإجابة على هذا السؤال تتطلب الإجابة عن سؤال الطاقة، لأنها هي العنصر الأساسي في الصناعات التحويلية.
ورغم الاستثمار الهائل في مشاريع الطاقة، فما زال العوز الطاقوي والانقطاعات المتكررة عن المنازل والمؤسسات هو الظاهرة الدائمة في البلاد.
ولكن الآفاق المتوقعة في محال الطاقة، وفي مجال الهيدروجين الأخضر، وما يجري الحديث فيه عن مليارات من الدولارات، ينبغي ونرجو أن يكون له تأثير إيجابي في تسريع مسار الصناعات التحويلية في البلاد، في قطاع المعادن والصيد وغيرهما من القطاعات الإنتاجية، بما يمكن من تطوير ومنافسة للمستورد.
خصوصا مع اعتماد الاستراتيجية الوطنية للصناعة 2023، ومن جوانبها الأساسية ما يتعلق بالطاقة، ولا يخفى علينا أن حجم السوق الموريتانية صغيرة جدا مقارنة بأسواق المنطقة، في موازاة مع موارد اقتصادية كبيرة وموقع استيراتيجي، ولذلك فإن طموح المستثمر هو الإنتاج ليس للسوق المحلية، بل ولأسواق المنطقة، وهو ما يتطلب سهولة تكلفة الإنتاج مقارنة مع دول المنطقة على الأقل.
والمستثمر لا يبحث عن الموارد فحسب بل عن نوعية الحكامة، وتكاليف الإنتاج، وخصوصا الطاقة، والساسة الضريبية، واليد العاملة من أطر وفنيين أكفاء، وعن نوعية العدالة وإنصافها، والعدالة ليست الصفة الأكثر شهرة في البلاد.
موقع الفكر:الدولة اقرت قانونا للشفافية ومنحت المستثمرين كثيرا من المزايا فما الذي يعيق الاستثمار؟
محمد العابد: يجري الحديث دائما في فترة سابقة عن تدخل مباشر من السلطة لفرض شريك على المستثمر بدل الشريك الذي كان يعمل معه، وهو ما يخلق بيئة طاردة.
موقع الفكر: يرى البعض أن السلطات غير جادة في محاربة الفساد، ف؟ رغم اعتراف الرئيس أن هناك فساد، فلايوجد سجين واحد على خليفية الفساد؟
محمد ولد العابد: قلت إنه وقعت إجراءات من بينها إقالة شخصيات مؤثرة ومهمة ببسب بعض الملاحظات التي تحوم حول تسييرهم.
محاربة الفساد لا يمكن أن تاتي دون نصوص قانونية واضحة، وقد حصلت هذه الإجراءات، وزادت النصوص القانونية التفصيلية، وهي خطوة مهمة في مسار التقنين والتنفيذ.
وبشكل موضوعي فإن المفسدين لم يتم استبدال كثير منهم من مناصبهم، وإذا كانت التوبة قد حصلت بالفعل من بعض المفسدين فحينها يمكن القول: عفا الله عما سلف.
طبعا من حقك أن تستغرب حديث مفتشية الدولة عن استعادة المليارات، أو مصادرة أدوية غير صالحة للاستهلاك، دون أن يظهر عقاب للمتورطين
طبعا يحتاج الفساد في بلدنا – بحكم استفحاله وطغيانه- إلى محاربة شديدة وصرامة عالية، وأهل موريتانيا يعرفون المفسد والمصلح.
موقع الفكر: هل ترجعون وجود الفساد لنقص القوانين أم عدم جدية الحكومة، أم ماذا؟
محمد العابد: في تصوري أن أهم ما يعانيه البلد ليس الترسانة القانونية، ولكنه التساهل في محاربة الفساد، والتكيف معه، بل إن هنالك ما يمكن اعتباره عداوة ذاتية للبلد، من بعض المفسدين، الذين وجدوا ملاذات خاصة بهم، واشتروا المنازل في إسبانيا والمغرب وتركيا والسنغال.
لكن هنالك من لا يرى بديلا عن موريتانيا ولا يبحث عن وطن سواها، ويرى ضرورة محاربة العقليات الإفسادية، والتصدي لها، والبحث عن منهجية جديدة للحكامة الراشدة، وإدارة الثروة.
موقع الفكر: ألاترون أن توجيه الدعم لبعض السلع وإقامة دكاكين أمل مضر بالاقتصاد ويشجع الفساد؟
محمد العابد: لا يمكن أن نأخذ هذا المسار الاجتماعي بعيدا عن المسار التنموي العام، خصوصا أن هنالك أجزء كبيرة من موريتانيا كانت تعيش كأجانب في وطنها، لأنها غير مستفيدة من الدولة لا في تعليم ولا خدمة ولا غيرها، وكانت مهيئة لتقبل الخطابات الانفصالية والعنصرية، لأنها لم تجد للدولة أي تأثير إيجابي.
والآن أصبحت هذه الفئات جزء من الاستراتيجيات التنموية، وأصبح لها نصيب من الثروة.
طبعا يقال وقد يلاحظ أن تكاليف تنفيذ هذه المشاريع المقدمة من خلال التآزر والبرامج التضامنية الأخرى، قد تكون ضخمة، أو هنالك ضرورة لمراجعتها وتحسين مضمونها.
موقع الفكر: ما الفائدة من استمرار عمل شركة تازيازت بل وتوسيع مناطق استغلالها للذهب دون عائد يذكر، ألا ترون أن تأميم هذه الشركة هو الأسلم؟
محمد العابد: لدينا خياران لا أكثر فسخ العقد وهو ما يترتب على ذلك من تكاليف مالية هائلة جدا، والخيار الثاني هو التفاوض وتحسين الشروط، وقد حصل شيئ من هذا قبل سنوات قليلة حينما ارتفعت نسبة موريتانيا وإن بشكل ضئيل.
أما بالنسبة للرقابة فإنها تحتاج منا على سبيل المثال وجود طاقم قادر على الرقابة، أو التعاقدا مع مكاتب دولية مختصة في هذا المجال.
وبشكل عام فإن تعدد أجهزة الرقابة وتنوعها، هو السبيل للرفع من الشفافية ومن فرص حماية الثروة
موقع الفكر: ماتقويمكم لأداء الحكومة الحكومية؟
محمد العابد: التنمية عملية تراكمية ومبنية على أسس ومعطيات دقيقة، وينبغي أن تؤسس على إحصائيات دقيقة، ليكون اختيار الحكومة بناء على معطيات محددة وتفصيلية، وتفضيلية للخيارالمعتمد.
هنالك أيضا ضرورة لثبات الهياكل التنموية، وخصوصا ما يتعلق بقطاع السياسات.
وبشكل عام فإن استيراتيجية محاربة الفقر، لم تسر مع الأولويات المحددة فيها، وكان الإنجاز غير ما تم ترسيمه.
ونحن الآن في الخطة الثانية للاستيراتيجية الوطنية للنماء المتسارع والرفاه المشترك التي بدأت سنة 2016، فإن قانون الميزانية لا يظهر سياسة اقتصادية، وإنما قرارات ارتجالية بموجبها يتم توجيه الموارد، وهنا لا يظهر أي أثر فعلي للمشاريع على التنمية.
العبرة هنا ليس بالاستمرارية وإنما بالمضمون، حيث يكون التعيين على أساس الكفاءة، وليس مجرد الولاء السياسي، الذي يلغي الكفاءة والجدارة.
لقد أصبحت لنا ضرورة لأن تكون الإدارة العمومية محركا للاقتصاد، وأن يكون الانتقاء على أساس المعايير المهنية وليس الولاءات القبلية والمجتمعية.
موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة
محمد العابد: دعوتي للشباب من أجل خدمة وطنهم، وإنقاذ ما أمكن من الدولة التي لم يعد ممكنا لها أن تواصل التهور
فإن سفاه الشيخ لا حلم بعده وإن الفتى بعد السفاهة يحلم.
هنالك ضرورة لأن تعي الدولة ومن يقوم عليها أنها أصبحت في عقدها السابع، وينبغي أن تخدم كل أبنائها، وأن تظهر هذه الخدمة في السياسات وفي توجيه الموارد وفي تنفيذ المشاريع وفي القوانين والنظم..