حقوقية (مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية ـ الجمعية الموريتانية للمواطنة والتنمية ـ حركة مواطنون ومواطنات واقفون)، تحدثت فيه عن توقيف السلطات الموريتانية لمئات المهاجرين بشكل غير قانوني، وإعادتهم قسرا إلى الحدود، في ظروف غير إنسانية، حسب بيان تلك المنظمات. واستعمتُ كذلك لصوتيات مرئية ومسموعة لبعض “الحقوقيين” و”الحقوقيات” المتضامنين والمتضامنات مع المهاجرين، ويبدو أن قيامتهم قد قامت بسبب ما رأوا بأعينهم الحولاء من تنكيل وقمع للمهاجرين الأبرياء، من طرف نظام يصفونه بالعنصري والاستعبادي والإقصائي، ولكم أن تضيفوا ما شئتم من العبارات والمترادفات ذات الصلة بالعنصرية والإقصاء والاستعباد، حتى تكتمل الأسطوانة المشروخة ـ عفوا الصوتيات المشروخة ـ التي تعودتم على سماعها، والتي لم تعد تقنع أحدا.
تنفطر قلوب حقوقيي وحقوقيات موريتانيا حزنا وكمدا رأفة بالمهاجرين تارة، وشفقة بالمرتدين الخارجين من الدين تارة أخرى، ولكنهم ينسون في الغالب أن يتضامنوا ويحزنوا ـ ولو تمثيلا ـ مع ضحايا آخرين، كان من المفترض أن تكون مظلمتهم، أكثر استدرارا لجلب تعاطفهم، وسأشير إلى بعض هؤلاء وأولئك في هذه السطور.
لحقوقيي موريتانيا قضايا تستحق التضامن، وقضايا أخرى لا تستحق التضامن، ومن القضايا التي تستحق التضامن سأكتفي بذكر مثالين اثنتين سعيا للاختصار.
1 ـ في يوم 4 يناير 2013 أصدرت المنظمات التالية : (مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية ـ نجدة العبيد ـ الهيئة الموريتانية لحقوق الإنسان ـ تجمع منظمات حقوق الإنسان ـ رابطة النساء المعيلات للأسرـ الرابطة الموريتانية لحقوق الإنسان ـ ضمير ومقاومة) بيانا مساندا لفرنسا في حربها في مالي، وكان بعنوان “تحرير مالي ليس حربا صليبية، بل حرب العادلين ضد الامبريالية السلفية الجديدة”.
وقد تحدثت هذه المنظمات في بيانها عن مسلسل “تعريبي غادر” يتم العمل على فرضه في إفريقيا، ودعت هذه المنظمات الحكومة الموريتانية إلى دعم فرنسا في حربها، كما طلبت من الشعب الموريتاني ” العودة إلى آليات الأصالة الثقافية (الشعر، الغناء، الرقص، الفلكلور، الأزياء التقليدية) كثقافة تحررية مضادة ردا على انتشار ـ ما سمته ـ بالمقبرة السلفية على وجه الأرض”.
2 ـ في يوم 24 يناير 2014 أصدرت المنظمات التالية : (نجدة العبيد ـ ضمير ومقاومة ـ رابطة النساء المعيلات للأسرـ الرابطة الموريتانية لحقوق الإنسان) بيانا متضامنا مع كاتب المقال المسيء، تحدثت فيه عن “الإساءة المزعومة”، وطالبت فيه بإلغاء المادة 306 من قانون الإجراءات الجنائية، وبإطلاق سراح كاتب المقال المسيء دون متابعة و توفير الحماية والمؤازرة له.
والآن لنأخذ مثالا واحدا من أمثلة عديدة ومتنوعة من القضايا التي لا تستحق تضامن ولا تنديد “منظماتنا الحقوقية”.
في يوم 9 سبتمبر 2012 ارتكبت فرقة من الجيش المالي مجزرة راح ضحيتها تسعة دعاة موريتانيين، وقد أجمع الكل على إدانة تلك المجزرة باستثناء المنظمات الحقوقية الموريتانية التي بخلت بإصدار بيان من سطر أو سطرين، ورفضت أن تعلق على تلك المجزرة البشعة ولو بشطر كلمة، وذلك على الرغم من أن منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية أصدرت بيانا نددت فيه وبشدة بقتل الدعاة، ووصفته بأنه “عمل فظيع”، وطالبت هذه المنظمة بتوقف الجنود ورؤسائهم ومحاسبة الجميع، وتطبيق العدالة على الجناة وبشكل سريع.
للأمانة، وحتى أكون دقيقا، فإن حركة إيرا هي الوحيدة من بين كل تلك المنظمات التي يبدو أنها أخذت علما بالمجزرة، فوثقت علمها بها بما لا يرقى لأن يوصف بالبيان، أما بقية “المنظمات الحقوقية” فيبدو أنها لم تعلم ـ وحتى يوم الناس هذا ـ بحدوث تلك المجزرة الفظيعة.
وكما تعلمون، ففي السنوات الأخيرة ارتُكِبت مجازر متعددة في مالي، وراح ضحيتها العديد من الموريتانيين الأبرياء، ومع ذلك لم نسمع “صوتا حقوقيا” واحدا منددا بأي مجزرة من تلك المجازر.
ألم يكن الأولى بهذه “المنظمات الحقوقية” أن تتضامن مع المواطن الموريتاني عندما يُقتل في مالي من قبل أن تتضامن مع المهاجر المالي غير النظامي عندما يوقف ويُرحل ـ بشكل قانوني ـ إلى المكان الذي جاء منه؟
قد نقبل من هذه المنظمات أن تتغاضى عن آلامنا، وتهتم بآلام الآخرين، وقد نقبل منها أن تصفنا حكومة وشعبا بالعنصرية والإقصاء والاستعباد، ولكن ما لا يمكننا أن نقبله منها هو أن تُحاول أن تؤلب شعوب وحكومات دول أخرى على جاليتنا الموجودة في بلدانها، وذلك بالقول بأننا هنا في موريتانيا نعامل جاليات تلك الدول بعنصرية ووحشية.
ألا تعدُّ موريتانيا ـ يا هؤلاء ـ هي البلد الأعلى احتضانا للمهاجرين في المنطقة، وذلك بقياس نسبة المهاجرين إلى عدد سكانه؟
ألا تعدُّ موريتانيا ـ يا هؤلاء ـ هي البلد الوحيد في المنطقة الذي يوجد فيه مخيم للاجئين، يأتي من حيث عدد السكان في الرتبة الثانية بعد العاصمة نواكشوط؟
ألا تعدُّ موريتانيا ـ يا هؤلاء ـ هي البلد الوحيد في المنطقة الذي تتجرأ فيه بعض جاليات الدول الأخرى أن تنخرط في احتجاجات ومظاهرات داخلية لمآرب سياسية، أو سعيا لنهب ممتلكات المواطنين الأبرياء؟
ألا تعدُّ موريتانيا ـ يا هؤلاء ـ هي البلد الوحيد في المنطقة الذي تشنُّ ضده الحملات الإعلامية المغرضة من بعض دول الجوار، ومع ذلك فمن النادر أن يتدخل هذا البلد ـ حكومة أو شعبا ـ في الشؤون الداخلية لدول الجوار؟
ألا تمتاز جالياتنا في الخارج ـ يا هؤلاء ـ عن جاليات بعض أشقائنا، بأنها هي الجالية الأكثر سلمية في المنطقة، وبأنها كذلك من بين الجاليات التي تستثمر تجاريا في الدول التي تقيم بها؟
ألا يعدُّ المواطن الموريتاني ـ يا هؤلاء ـ من أكثر مواطني المنطقة خدمة للجاليات الموجودة في بلده، حتى وإن كان ذلك على حساب مواطن من بلده، فالميسور في بلادنا كثيرا ما يفضل أن يشغل الأجنبي أو يشتري منه أو يطلب منه خدمة مدفوعة الثمن بدلا من أن يطلبها من مواطن مثله؟
على “الحقوقيين” وعلى غيرهم من الموريتانيين ممن يحاول أن يلصق ببلده ـ حكومة وشعبا ـ تهمة العنصرية في مثل هذا الظرف الحساس، أن يعلم بأنه يوفر أدلة غير قابلة للطعن، تحت بند “وشهد شاهد من أهلها”، حتى وإن كانت كاذبة أصلا، يوفرها لكل المحرضين من البلدان الأخرى التي توجد فيها جاليات موريتانية.
بكلمة واحدة : إنكم تتحملون جزءا كبيرا من المسؤولية في أي اعتداء قد يتعرض له مستقبلا أي فرد من جاليتنا في أي بلد من البلدان المجاورة، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أنكم تعطون أدلة قاطعة، حتى وإن كانت في جوهرها كاذبة، لكل أولئك الذين يحرضون مواطنيهم على الاعتداء على جالياتنا الموجودة في بلدانهم.
(2)
لقد استمعتُ إلى تصريح معالي الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة حول الهجرة في أعقاب مجلس الوزراء الأخير، وكان مما قال بخصوص ملف الهجرة بأن العام 2022 شهد دخول 130 ألف مهاجر، ولم يطلب الإقامة من هذه المائة والثلاثين ألفا إلا سبعة آلاف مهاجر، أي نسبة 5% فقط .
تعليقا على هذه الإحصائية، فإني أرى أن هناك تساهلا من الحكومة غير مبرر، خاصة في ظل أحاديث يتكرر ترديدها في الشارع، مفادها أن بعض المهاجرين يرفض التسجيل للحصول على الإقامة، لأنه عندما يبصم للحصول على الإقامة، وتسجل بصمته، فسيستحيل بعد ذلك تجنسه، وهذا ما يجعل بعض المهاجرين يرفض التسجيل للإقامة رغم الإعفاء من الرسوم. يرجى من الجهات المعنية التحقق من دقة ما يُقال بخصوص هذه الجزئية.
وعلى ذكر إعفاء المهاجرين من رسوم التسجيل في الحالة المدنية لتسوية وضعية إقامتهم، فإني أذكر هنا “حقوقيي” و”حقوقيات” موريتانيا بأن المواطن الموريتاني لا يتم إعفاؤه من رسوم الوثائق المؤمنة.
وذكر معالي الوزير في تصريحه بأن موريتانيا هي بلد جاذب للمهاجرين، خاصة وأن هناك دولا في المنطقة تعاني من اضطرابات وعدم استقرار، وأضاف الوزير بأن بلادنا تشجع المهاجرين على القدوم إليها.
وللتعليق على هذه الجزئية من تصريح معالي الوزير فإني أرى بأنه يكفي بلادنا في تعاملها مع المهاجرين أن لا تغلق حدودها أمامهم، ولكن ليس مطلوبا منها على الإطلاق أن تشجعهم وتغريهم بالقدوم إليها، فلماذا تشجعهم وتغريهم؟
إن الهجرة القادمة إلينا ليست هجرة انتقائية، فنحن لا ننتقي المهاجرين القادمين إلينا وفق احتياجاتنا، حتى نُلزم بتشجيعهم، وأغلب، بل كل المهاجرين الذين يأتوننا، ليسوا رجال أعمال جاؤوا ليستثمروا أموالهم في بلادنا، وليسوا من أصحاب الشهادات العالية ولا التخصصات النادرة حتى نشجع قدومهم.
إنهم مهاجرون بسطاء وفقراء، لا يحملون في الغالب شهادات عالية، وقد جاؤوا لينافسوا فقراءنا في مصادر رزقهم من خلال مهن وحرف وأعمال بسيطة، وكثيرا ما ينجحون في تلك المنافسة، وذلك لأنهم أكثر تكوينا وخبرة، ولأنهم يقبلون أجورا متدنية جدا، ولأن الموريتاني الميسور ـ وكما قلتُ سابقا ـ يفضل أن يتعامل مع الأجنبي.
لذلك، فيمكننا أن نستنتج ومن دون عناء فكري، بأنه كلما زاد عدد المهاجرين القادمين إلى بلادنا، فإن الفرص المتاحة لفقرائنا ستتناقص تلقائيا، وسيؤثر ذلك سلبا على البعد الاجتماعي في برنامج فخامة رئيس الجمهورية، والذي يركز على إحداث تنمية حقيقية في الأوساط الهشة والأكثر فقرا.
فكيف نشجع قدوم المهاجرين في ظل هجرة مكثفة وغير انتقائية، خاصة إذا ما علمنا بأن هناك الملايين من الأشخاص في المنطقة يتأهبون للهجرة، وأن وجهتهم المفضلة هي بلادنا، فكيف نشجع هذه الملايين من المهاجرين إلى القدوم إلى بلدنا، مع العلم أن قدراتنا الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وكذلك تركيبتنا السكانية، لا تتحمل ولا يمكن أن تستوعب هذا العدد الكبير من المتأهبين للهجرة، والذين يزيد عددهم بأضعاف على عدد سكان بلدنا.
وتبقى الجزئية الأخيرة من تصريح معالي الوزير التي سأعلق عليها، والتي أرى أنها تحتاج لتوضيح أكبر، هي الجزئية المتعلقة بقوله بأن بلادنا تؤمن عودة القادمين في قوارب الموت إلى المعابر التي قدموا منها، وهذا مما لاشك فيه أمرٌ جيد، وأنها تؤمن كذلك ـ وهذا هو المقلق ـ إقامة من أراد التكيف منهم مع القانون المحلي للحصول على بطاقات إقامة محلية، فهل هناك في المواثيق الدولية أو في اتفاقيات عقدناها مع الشركاء ما يلزمنا بأن نؤمن الإقامة في بلدنا لمن جاء أصلا متسللا في قوارب الموت بنية العبور إلى أوروبا؟
حفظ الله موريتانيا..
