إني لكم من الناصحين

لقد استبشر أهل التعليم خيرا وهم يستمعون إلى تعهدات رئيس الجمهورية بإصلاح قطاع التعليم، ومعالجة اختلالاته وأزماته، وإدراكه أن المدرسين هم قطب الرحى ومدار العملية كلها.

 

ثم استمعوا إلى “وزرائهم” وهم يتحدثون عن القطاع مشخصين واصفين، مما يدل على الاطلاع على مشاكله، مقدمين الوعود والالتزامات.

 

فنظر المدرسون إلى بعضهم البعض وقالوا: هؤلاء منا ونحن منهم. لقد كانوا رفاق درب، وقد عانوا مما كنا منه نعاني، ولن ينسوا ذلك الواقع البائس الذي عاشوا فيه ردحا من الزمن.

 

بل سيقومون بإنجازات ملموسة وتحقيق إصلاحات مشهودة.

 

وكان المدرسون يعتقدون أنه بعد مرحلة الأقوال ستبدأ مرحلة الأفعال.

 

وأنه كلما لاحت فرصة سينتهزها المسؤولون الجدد لإرسال رسائل رمزية غير مشفرة إلى المدرسين وإلى غيرهم من الفاعلين في قطاع التعليم، توضح ان الاصلاح قادم ، وان رد الاعتبار للمدرسين حق وواجب.

 

لقد كان إجراء الامتحانات الوطنية هذه السنة فرصة من تلك الفرص.

 

وقد توقع أهل التعليم أن تجري تلك الامتحانات ضمن شروط تطبعها النزاهة والصرامة في الوقت نفسه، ولكن ذلك لم يحدث.

 

فقد تناقل الناس أنباء عمليات غش متعددة ومتكررة وبأساليب متنوعة.

 

أعرف أن “الأهالي” قد شاركوا في عمليات الغش تلك: ترشيحا وتوزيعا، وأن بعض المشرفين والمراقبين قد بذلوا جهودا مضنية للحد من تلك الظاهرة، ولكنهم لم يستطيعوا مع ذلك منعها.

 

ثم جاء تسريب مادة اللغة العربية بالنسبة لمسابقة دخول المرحلة الاعدادية فازدادت الأوضاع سوءاً.

 

ثم عايش المدرسون ظروف الرقابة والتصحيح فوجدوا قلة الزاد مع أنه تم رصد مبالغ كبيرة لتحقيق تلك الغاية حسب معلومات بعض المطلعين (مع أنها تبقى مجرد معلومات).

 

ثم جاءت التعويضات فلم يشعروا أن شيئا قد تغير.

 

بل إن المدرسين اعتبروا أن زيادة تصحيح البكالوريا كانت إهانة متعمدة، وأنه كان من الأفضل أن يتم ترك التعويض كما كان، أو أن تتم زيادته زيادة معتبرة بحسب المعنى الوارد لهذه الكلمة في القواميس، وليس بالمعنى الذي يتم تحديده من طرف الوزارة عند زيادة كل تعويض.

 

وانطلاقا من كل ما سبق، فقد مثلت تحركات بعض الأساتذة اليوم، احتجاجا على “الزيادة = الإهانة” دقا لناقوس الخطر، مما يؤكد أننا مقبلون على سنة تعليمية ساخنة.

 

أعتقد أنه قد آن الأوان لكي تستيقظ بعض الجهات الوازنة في وزارة التعليم الثانوي والتقني والإصلاح، وأن تسلك مسالك آخرى في التعامل مع المدرسين.

 

وعليها أن تعلم أن التعليم عملية مركبة متعددة الأبعاد والمجالات وأن المدرسين يعلمون أن تلك الجهات قد شاركت في صناعة وتشكيل مسار التعليم وماضيه، وأنها مسؤولة إلى حد كبير عن اختلالات حاضره وأزمات واقعه، ولكنها قد لا تتحكم في مآلاته وآفاقه المستقبلية.

 

يريد المدرسون أن تتحقق إصلاحات جذرية ويقبلون أن تكون متدرجة مرحلة بعد أخرى.

 

ولكنني لا أعتقد انهم سيقبلون أساليب المماطلة والتسويف، ووضع الحواجز والعوائق في طريق تلك الإصلاحات.

 

لن اقول مثل ما يقوله الكثيرون بأن المسؤولين عن فشل المنظومة التعليمية لن يقوموا بإصلاحها وتطويرها، وأن المسؤولين عن احتقار المدرسين لن يقوموا باحترامهم وتكريمهم.

 

لن اقول ذلك لأنني أومن بأن “قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء”.

 

المهم أن توجد إرادة تسعى إلى الإصلاح وتؤمن به، وخطة مرسومة محددة المعالم.

 

وأعتقد أن تلك الإرادة ينبغي أن تتجلى في مفتتح السنة القادمة وأن يصاحبها تنفيذ الخطة المنتظرة.

 

لقد انتظر أهل التعليم كثيرا.

 

وأتوقع أنهم سينتظرون بعض الوقت.

 

ولكن قد لا يطول الانتظار هذه المرة.

شاهد أيضاً

مالي: تعيين وزير الداخلية السابق رئيسا للوزراء

عين رئيس السلطة الانتقالية بمالي، اليوم، وزير الداخلية السابق اللواء عبد الله مايغا رئيسا للوزراء …