حلول موسم الخريف وعودة الأهالي في ولاية لعصابه إلى مواطنهم الأصلية  جعل وجهاء القبائل وأطرها ومنتخبيها يجددون صلاتهم القديمة بمواطنين  يتم استغلالهم عند الحاجة كخزان للأصوات وتتم دغدغة عواطفهم بكثير من المكر لا لشيء إلا لتأمين استمرار هيمنة أولئك البارونات على المشهد المحلي والمضاربة بنتائج تلك الهيمنة في سوق المناصب بنواكشوط.

في بعض مناطق البلاد الأخرى، تتستر القبائل خلف بعض الأنشطة الثقافية أو تحت غطاء منظمات المجتمع المدني أو  يافطات  أخرى ، غير أن القبيلة  في ولاية لعصابه تسفر عن وجهها الدميم سواء لوحدها أو في ما بات يعرف بالأحلاف ، سواء في المدن الكبيرة أو في القرى النائية، ومن دون أدنى احترام للسلطات العمومية ولا لتعليماتها المتعلقة بحظر التجمعات ذات الطابع القبلي، التي يبدو أن الجميع تناساها عن سبق إصرار أو قرر الدوس عليها وهو في مأمن من أية عقوبة.

يتصور الزائر هذه الأيام لولاية لعصابه، أنه في فترة ما قبل الدولة أو على الأقل في فترة الاستعمار، حيث مواسم “الحصرات” للتباهي بوفرة أعداد القبيلة وممتلكاتها، وحيث البذخ الكاذب والكرم الزائف، الذي لا تستفيد منه على الأقل القاعدة العريضة للقبيلة وقوة عملها والتي ليس لها سوى الاستغلال والنظرة الاستعلائية من طرف أسياد وشيوخ وحاشيات، يضنون على من يستغلونهم حتى بالشعور بالأسى على ما يكابدونه من مشقة في سبيل تحصيل لقمة العيش.

تسمع طبول وجهاء القبائل وأطرها الفاسدين المفسدين  اليوم في كل مكان من ولاية لعصابه ويملأ غبار سياراتهم كل الفضاء، في تحد سافر للدولة وباستهزاء دنيء بمشاعر أغلبية سكان الولاية المتروكين للاهمال في ظل ظروف حياة تزداد قساوتها يوما بعد يوم بوتيرة تجاوزت بكثير قدرة المواطن على التحمل وحولته إلى كتلة من القلق والخوف على حاضره ومستقبل أبنائه.

من يستطيع أن ينكر اليوم أن آلاف المواطنين في الولاية محرومون حتى من الحصول على جرعة ماء صالحة للشرب؟ وأن أكثر منهم محرومون من الحصول على خدمات حساسة مثل التعليم والدواء؟ ومن الذي داخل الولاية لا يتأثر اليوم بمطاردة أسعار تحول حياته وحياة ذويه إلى جحيم؟ حتى خدمات الكهرباء توقفت بطريقة مخزية عن من كانوا يحصلون عليها! والأوساخ والنفايات حولت المدن إلى مكان خطر لا يمكن العيش فيه.

والأسوأ من كل ذلك أنه في الوقت الذي تدق فيه طبول القبائل، تبدأ  الملاريا القاتلة بالانتشار وتنضاف إليها أنواع أخرى من الحميات والأمراض الخطرة، التي لا تهدد حياة البشر فقط، بل تمتد أيضا إلى الثروة الحيوانية على شكل أوبئة من شأنها أن تفاقم من الوضع الصحي المتدهور أصلا داخل الولاية.

لن يتحدث أسياد القبائل وقادتها من الأطر  عن أي شيء من كل ذلك بالتأكيد ولن يقدموا أي حل لأي من المشاكل المطروحة، لأن مهمتهم محددة بشكل دقيق، ولأن التجربة أثبتت لهم أن عقار العاطفة القبلية ما يزال كاف لتخدير البؤساء وأن أي تحسن في ظروفهم المادية والمعنوية قد يعجل بخروجهم من حظيرة الاستغلال والامتهان.

ما يهم هؤلاء هو  أن تمتلأ صناديق الاقتراع خلال أي موسم انتخابي  لمصلحتهم وأن يعودوا بعد ذلك إلى مناصبهم في العاصمة نواكشوط كنواب ووزراء ومدراء ورجال أعمال وقطط سمان يعيثون في الأرض فسادا . أما باقي سكان الولاية المستكينين لهذا الوضع المهين، فلن يكون نصيبهم أكثر من اجتماعات قبلية خلال موسم القنص  وأحاديث زائفة عن الأخوة والأهلية والتاريخ المشترك!

والسؤال الذي يتكرر على الدوام في مثل هذه المواسم هو: أما آن للدولة أن تحمي السكان من سطوة بارونات الفساد والجشع والفشل؟ أو بصفة أصح: أما آن للسكان أن يفهموا لعبة وجهاء القبائل والسماسرة من الأطر والمنتخبين  ليوقفوهم عند حدودهم أملا في كسر الحلقة المفرغة التي تدور فيها الولاية؟

وكالة كيفه لأنباء