أكمل الوزير الأول المختار ولد اجاي عامه الأول في الوزارة الأولى بعد حولين كاملين  في إدارة الديوان، ليعزز موقعه كأحد أهم صناع التحولات والفاعلين  في نظام ولد الشيخ الغزواني خلال النصف الأخير من مأموريته الثانية، وما مضى من الأولى لحد الآن.

ينتمي ولد اجاي إلى منطقة مكطع لحجار، أو بالأحرى إلى الخد الفاصل بين تكانت والبراكنة، إلا أن ذلك الانتماء الجغرافي لم يكن صانع موقعه السياسي في النظامين السابق والحالي، وإنما قدرته على صناعة دائرة التأثير وتوسيعها بشكل كبير، وذلك بسبب المتابعة الدائمة لما يحمل من ملفات.

إدارة هادئة لصراع سياسي عميق

لم يخف الصراع السياسي بين ولد أجاي وعدد من الأطراف الوازنة في النظام، لكن تصاعد ثقة الرئيس في وزيره الأول، جعلت الجميع مضطرا للتعامل معه، وهو أيضا مضطر لإدارة علاقات أقل صخبا ونصبا مع الآخرين.

وبشكل خاص فقد ألزم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قبل أشهر قليلة أركان نظامه بعقد لقاء مصالحة، وحصل اللقاء في منزل وزير الداخلية، وكانت أطرافه هي الوزير الأول ووزراء الداخلية والعدل والخارجية، وانتهى إلى تفاهمات لفظية، دون أن يغوص في لب الخلاف بين الأطراف، والذين يبدو صراع مصالح ونفوذ أكثر مما هو صراع مشاريع، وفق ما يؤكده أكثر من مصدر.

أخطر ما في هذه الصراعات على النظام هو الضرب  تحت الحزام  بين المتشاكسين، فيتحول الاختلاف إلى رأس الحربة في سقوط الأنظمة.

عين على الحكومة

يتفوق ولد أجاي على نظرائه السابقين بحرصه على استخدام التقنيات في إدارة مهامه، وفي سبيل ذلك أنشأ منصة عين التي تحولت إلى جهاز رقابة شعبية، على الأداء الحكومي.

وإضافة إلى العين الالكترونية، استطاع ولد أجاي خلال سنواته الأخيرة، إقامة قوة نوعية من الأطر الشبابية في مختلف القطاعات الخدمية، إضافة إلى رهان عدد من الأطراف السياسية عليه، وهو ما عزز مركزيته في النظام.

ومع ذلك لم يستطع ولد اجاي  لحد الآن أن يخترق الحصون المغلقة أمامه، وخصوصا في قطاعات الداخلية والجيش والأمن، حيث تبدو العلاقة مع هذين القطاعين، جزء مهما من صناعة مستقبله السياسي.

وله خصومه الكثر و أولهم في الحزب الحاكم وبعض المجموعات السياسية التي ترى أنه لم يحقق أي إنجاز يذكر.

إنجازات في البنى التحتية

حققت الحكومة إنجازات، في مجال البنى التحتية، أو بالأحرى أطلقت وعودا ذات أهمية كبرى وشرعت في تنفيذ عدد منها، وخصوصا فيما يتعلق بعصرنة مدينة نواكشوط، حيث استطاعت الحكومة خلال الأِشهر المنصرمة تعبيد عدد  من الشوارع في مختلف مقاطعات نواكشوط، مما أضاف روحا عصرية جديدة.

إضافىة إلى الشروع في بناء مئات القاعات الدراسية في في مختلف انحاء العاصمة.

لقد فتح مشروع النفاذ إلى الخدمات الأساسية في الداخل الباب واسعا أمام حراك تنموي يتوقع أن يحقق نقلة نوعية في الخدمات الأساسية خلال سنتين تقريبا، وهو ما يعني أن النصف الأول من مأمورية ولد الشيخ الغزواني الثانية، سيكون ورشة عمل متواصل، كما سيرفع إنجازه أسهم الحكومة بشكل كبير، وخصوصا وزيرها الأول المختار ولد أجاي.

وسيشكل حل أزمة الانتجاع في المناطق الشرقية من البلاد، من خلال مشروع تنمية أوكار،  تحولا نوعيا في التنمية الحيوانية داخل البلاد.

تسوية انتقائية لمظالم عمالية

اهتمت الحكومة خلال الأشهر المنصرمة بحلحلة بعض الأزمات المعمرة في قطاع التشغيل من بينها تسوية وترسيم عمال الإعلام العمومي، وعمال شركة الكهرباء، وهو الإجراء الذي أطاح بمديرها السابق  سيدي ولد سالم الذي عارض الترسيم بشدة وفق ما يقول منائون له.

ينظر البعض لتسوية الملفين بمستوى من الريبة والاندهاش، فمن جهة هناك في كل قطاع مجموعات من المتعاونين بنفس الوضعيات، فما السبب وراء تفضيلات الحكومة لقطاع الإعلام والكهرباء وترك الألوف المؤلفة في كل القطاعات الحكومية.

ويستغرب البعض كيف أن الحكومة لم تدقق في أهلية المتعاونين في القطاع الإعلامي، فكان العمل في أساسه ترضيات و محاباة.

ولئن مثلت تسوية ملف الحمالة، وتوزيع قطع أرضية على أكثر من 500 منهم نجاحا اجتماعيا مهما للنظام،  فإنه مر بدون أي اهتمام إعلامي.

وفي مقابل ذلك لم تستطع الحكومة الوفاء بما أعلنته من تخفيض للأسعار حيث عادوت الصعود مجددا، متحدية المتابعات التي تعلن عنها وزارة التجارة بين الحين والآخر

ومثل تضامنها مع التجار في احتكار الاسمنت وفي فرض تسعرة مرتفعة بل مضاعفة مقارنة بجيراننا في الشمال والجنوب خيبة  أمل لدى الكثير من المواطنين.

كان الأولى اكتتاب أساتذة التعليم العالي و زياد الطواقم الطبية على اعتبار أنهم أطر تشفع لهم الشهادات الكبيرة والخدمات المعتبرة وحاجة البلد.

مكافحة الهجرة.. خطوة إلى الأمام وأخرى إلى الخلف..

وجدت موريتانيا فرصة حقيقية للوقوف في وجه الهجرة غير الشرعية باتفاقها مع الاتحاد الأوربي وحرص جارنا الأوربي الأقرب على إبعاد المهاجرين عن محيطه وعن مايقرب منه، وبدأت الحكومة الحالية خطوات ضرورية واستراتيجية في محاولة منها لكسر ماتعارف عليه الجميع وسكت عنه أو عجز ألا وهو ترك الجالية السنغالية فوق القانون تكمل ما ينعق به الساسة في ذاك البلد من ان موريتانيا جزء أصيل من الأرض السنغالية، ومع أن الحكومات المتتابعة تساهلت معهم لاعتبارات غير مقنعة فيحسب لهذه الحكومة أنها وقفت في وجه الاستطان والغطرسة وشرعت بحكمة  في إبعاد من لا يستجيب لمعايير الإقامة الشرعية، وقطعت في ذلك خطوات معتبرة، رغم أن الطبقة السياسية خذلتها فلم تواكبها وربما عارض البعض هذا الإجراء لاعتبارات ضيقة.

هذه الخطوات على أهميتها نقضت الحكومة غزلها حين دخلت في اتفاقيات ثنائية مسهلة للتنقل والإقامة مع الحكومة السنغالية، ما يعني ضمنيا تصعيب تنفيذ الاتفاق  الموقع مع الاتحاد الأوربي.

يحسب للاتفاق الجديد إصراره على أن ييرز السنغالي هويته لبيو مترية كشرط لتسهيل إجراءات الإقامة والتنقل.

لقد تغولت بعض الجاليات حتى أصبحت تتحدث في الشأن الداخلي للبلد.

   تحويل المحن إلى منح..

مع ارتفاع الحوادث المرورية التي يمكن اعتبارسببها الأهم، عدم وجود طرق بمعايير دولية، وانعدام الإنارة الليلة على هذه الطرق..

وبدلا من توفير وسائل الإنقاذ وتوسيع الطريق وتسيجه استغلت الحكومة الوضع و انتهزت الفرصة لخلق غرامات جديدة  في مبالغها دون جهود تذكر في تغيير واقع هذه الطرق الحزين.

ومثل ذلك ارتفاع فواتير الماء والكهرباء في ظل التراجع المستمر في الخدمات.

إخفاقات متصاعدة في قطاع الماء والكهرباء

في المقابل ما زالت الحكومة تواصل إخفاقاتها المتكررة في حل أزمة المياه والكهرباء في العاصمة، رغم كل الإجراءات التي تعلن عنها بين الحين والآخر، ووصل الإخفاق، أن عددا من أحياء العاصمة نواكشوط بات محروما من الماء منذ أكثر من شهر.

لقد كانت حادثة انقطاع المياه في نواذيب بعد انتهاء حفل التدشين كافية لمعرفة الخلل الكبير الذ1ي يعيشه قطاع المياه..

وإلى جانب الانقطاع المتواصل للماء والكهرباء، وارتفاع فواتير الظلام والعطش،  ما تزال خدمات الهاتف وشبكات الانترنت في الحضيض بشكل لا يمكن تصوره رغم ما تملكه الدولة من وسائل ضغط، وتصاعد في قوة قطاع الرقمنة.

بل إن مشكلة الكهرباء تزيد من مأساة  الإنترنت وكذا المياه.

محاربة الفساد.. شعار محدود الجدوائية

رغم الحديث المتواصل عن محاربة الفساد، فما زال هذا البند خافت الأداء في عمل الحكومة، وسط حديث دائم عن انتشار مظاهر الفساد، ومحدودية قدرات مفتشية الدولة التي باتت تتبع للوزير الأول، لكن قيودا رئاسية متعددة ما تزال تحول دون أدائها لمهامها على أكمل وجه.

ورغم الإخفاقات في مجال محاربة الفساد إلا أن الحكومة سجلت نقاط قوة قليلة في هذا المجال، وخصوصا في قطاعات مثل التعليم، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وميناء تانيت.

فيما بقيت عاجزة أمام تغول بعض رجال الأعمال وتحكمهم وعمق سيطرتهم، وعجزت الحكومة خلال السنة المنصرمة من أدائها عن الحيلولة دون توجه قرابة 70% من الصفقات والمشاريع المنفذة لجهات محدوة.

وفي مقابل الحظوة يشتكي كثيرون من البرو قراطية وفساد الإدارة وترهلها  مما يتسبب في ضياع الحقوق وذهاب الفرص والتأثير السلبي على سمعة مناخ الاستثمار.

إغفال نظافة العاصمة..

قبل أن تضع حرب  الشركات العالمية المتنافسة على نظافة نواكشوط أوزارها، دعونا نستغرب أننا البلد الوحيد الذي يعترف بعجزه عن معالجة قمامته، و بالتالي فهو على استعداد لدفع فاتورة عجزه للخارج.

في السابق تنافست البلديات على تنظيف العاصمة وتدخلت الدولة والجيش لتعزيز ذلك الدور، أما الآن فتنتشر القمامة في العاصمة بل وتسورها في أحيان كثير دون أن نسمع عن تلك الحملات أو بعض الإجراءات لتسحين واجهة العاصمة

تتفرج الحكومة على توسع العاصمة دون أن تتخذ إجراءات تذكر من قبيل توفير البنية الأساسية  الضرورية للحياة، ومن تحديد نسق عمراني وحضاري واضح، ومن تحديد مكاتب هندسية تدقق في البنيان.

لاينقضي العجب ونحن على اعتاب موسم الأمطار حيث تنتشر البرك ويتزايد الباعوض وتعم العفونة في مناطق كبيرة، دون تدخل يذكر، باستثناء بعض الحملات التي تنظمها الجهة لمكافحة الباعوض المنتشر بقوة في العاصمة وخاصة تفرغ زينة.

هل من تعديل قريب

ومع توجه أًصابع الاتهام إلى قطاعات حكومية متعددة بالإخفاق، فإن الحديث يعود مجددا إلى قرب تعديل وزاري  يتوقع أن يطال عدة قطاعات حكومية.

لكن الوقع أعمق من أن يتغير بتعديل وزاري..

لقد تعاقب على بعض  الوزارات  ثلاثة وزراء في السنوات الماضية، وما يماثل ذلك من الأمناء العامين، لكن شيئا لم يتغير، لأن الفساد الممنهج في أغلبه تمارسه الخلايا المستقرة في الدوائر الحكومية والتي تواصل يومها بغدها دون حسيب أو رقيب، بينما يظل دور الوزير في أي وزارة محدودا، فليس بمقدوره تطهير القطاع من الفساد ومن اللوبيات التي تعبث  بمستقبل البلد، وتتمترس في أغلب قطاعات الدولة.

لم تستطع الحكومة الحالية إطلاق بعض المشاريع التي أعلن عنها أو عن بعضها قبل دخول الرئيس غزواني إلى القصر الرمادي، مثل مستشفى الملك سلمان، وزراعة وصناعة السكر، ومشاريع الجديد التي مر على بعضها ربع قرن دون أن تنطلق.

لم يلمس المواطن العادي بعد مرور سنة على حكومة الوزير الأول المختار اجاي، أي تحسن في حياته ولافي المنظومة الاقتصادية ولا في إدارة وحكامة البلد، ومن المنطقي  أن لاتكون هناك تنمية ولا طفرة اقتصادية مالم تبن الإدارة على أسس قويمة من الحق والنزاهة..

اقرأ أيضا

وزراء اقترحهم ولد أجاي ورفضهم وزير الداخلية.. هل ينجح الوزير الأول في إدارة تناقضات حكومته- موقع الفكر