كانت ليلة عادية ككل الليالي في الحي، كنت أجلس قرب أبي أرتب كتبي الجامعية، وأفكر في صباح الغد محاضراتي، وضجيج زملائي، والأحلام الصغيرة التي أزرعها في خيالي.. كان أبي يراقبني بعينين أثقلتهما السنين والمرض، كأنه كان يحاول أن يخبرني بشيء لكن صمته الطويل ظل هو السيد كعادته.. ربما يخبر به أمي التي غادرت المنزل للتو، فهي الوحيدة التي تقرأ لغة عيونه. فجأة شعرت بشئ لا أعرف تفسيره بالضبط ربما كانت الرباح التي صارت أكثر برودة فجأة، شعور غريب راودني فجأة لكنني تجاهلته.. ولأن الباب نصف مغلق أردت أغلقه تماما، وهنا كانت المفاجأة المؤلمة.. ثلالث شياطين في صورة بشر انقضوا علي دفعة واحدة، ولم أتمكن حتى من أن أسألهم من هم أو ماذا يريدون.. اندفعوا إلى الداخل بقوة، حاولت أن أصرخ لكنهم وضعوا سكينا على رقبتي..
قلت لهم: “خذوا كل شيء المال، الهاتف … فقط دعونا.. أعطيتهم هاتفي بيدي المرتجفة.
كانوا يهمون بالمغادرة وكأن رغبتي البسيطة قد لامست فيهم بقايا إنسانية لكن فجأة توقف أحدهم التفت ببطء، ثم نظر إلى أبي وكانت نظرته تلك بداية النهاية.
قال بصوت جاد : “إذا صرخت سنذبحه ”
تحولت اللحظة إلى مشهد سينمائی مشوه رأیت أبي طريح الفراش، يحاول أن يتحرك يحاول أن ينطق، لكن المرض كان أسرع من أي رغبة في المقاومة، عيناه كانت تحكي كل شيء عن توسلاته الصامتة.. أخذوني إلى المطبخ كان المكان ضيقا، مكتفا بأشيائنا البسيطة هناك مزقوا حجاب الإنسانية من وجوههم، وأصبحوا وحوشا لا تعرف الرحمة.. فعلوا فعلتهم، تباعا، وأنا أحاول أن أهرب إلى داخلي، أن أختبئ في زاوية مظلمة من روحي. بعيدا عن هذا الجسد الذي لم يعد ملكي.. كان والدي هناك لم يتحرك لم يصدر صوتا لكنني شعرت بدموعه دموع لم تنزل على خديه، بل انسكبت في داخله.. كان يبكي دون أن يبكي وأنا أموت دون أن أصرخ.
وعندما انتهوا غادروا وهم يضحكون، كأنهم أبطال عادوا منتصرين من حرب لم يكن فيها سوى الضحية بقيت أنا في ذلك المطبخ، قطعة مكسورة من شيء كان يوما ما إنسانا.. كنت هناك وحيدة أحتضن ظلي المكسور، وأحاول أن أجد في داخلي ما تبقى مني.
اغتصبوني نعم.. لكنهم لم يغتصبوا حقي في الحلم سأكتب عنهم.. عن هذه الليلة.. عن أبي الذي لم يستطع أن يحرك ساكنا.. سأكتب عن كل امرأة شعرت بنفس الألم، بنفس المرارة، بنفس الضياع.
سأكتب لرئيس الجمهورية : أنا فتاة ضاعت وانتهى أمري.. فهل تضيع أخر
كامل الألم